ويتابع دعوتهم إلى الإيمان فيدعوهم إلى طاعة الله وطاعة الرسول :
( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ) . .
وقد عرض عليهم من قبل مصير الذين تولوا . وهنا يقرر لهم أن الرسول مبلغ . فإذا بلغ فقد أدى الأمانة ، ونهض بالواجب ، وأقام الحجة . وبقي ما ينتظرهم هم من المعصية والتولي ، مما ذكروا به منذ قليل .
فإن توليتم : فإن أعرضتم عن طاعة الله ورسوله ، فلا ضرر ولا بأس على رسولنا من إعراضكم ، إذّ عليه إبلاغكم لا هدايتكم .
12- { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } .
التزموا طاعة الله فيما أمر به ، وطاعة الرسول فيما يبلغكم به من أوامر وأحكام ، فإن طاعة الرسول طاعة لله .
قال تعالى : { من يُطع الرسول فقد أطاع الله . . . } ( النساء : 80 ) .
فإن أعرضتم أيها المشركون عن الإيمان بالله ورسوله ، وعن طاعة الله وطاعة رسوله ، فإنما إثم ذلك واقع عليكم وحدكم ، وليس على الرسول إلا البلاغ ، أما أمر الهداية والتوفيق للإيمان فبيد الله وحده ، ومسئولية الإعراض على عاتقكم وحدكم .
قال تعالى : { ما على الرسول إلا البلاغ . . } . ( المائدة : 99 ) .
وقال سبحانه : { إنْ عليك إلاّ البلاغ . . . } ( الشورى : 48 ) .
وقال عز شأنه : { إنك لا تهدي من أحببت . . . } ( القصص : 56 ) .
وقال تعالى : { ليس عليك هداهم ولكنّ الله يهدي من يشاء . . . } ( البقرة : 272 ) .
ولما كان التقدير : فاصبروا عند هجوم المصائب ، عطف عليه قوله تحذيراً من أن يشتغل بها فتوقع في الهلاك وتقطع عن أسباب النجاة دالاً على تعلم أمور الدين من معاداتها{[65819]} مشيراً إلى أن العبادة لا تقبل إلا بالاتباع لا بالابتداع : { وأطيعوا الله } أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله فافعلوا في كل مصيبة ونائبة تنوبكم وقضية تعروكم ما شرعه لكم ، وأكد بإعادة العامل إشارة إلى أن الوقوف عند الحدود ولا سيما عند المصائب في غاية الصعوبة فقال : { وأطيعوا الرسول } أي الكامل في الرسلية - صلى الله عليه وسلم - فإنه المعصوم بما{[65820]} خلق فيه من الاعتدال و{[65821]}ما زكى{[65822]} به من{[65823]} شق البطن وغسل القلب مراراً ، وما {[65824]}أيد به{[65825]} من الوحي ، فما كانت الأفعال بإشارة العقل مع الطاعة لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم في كل إقدام وإحجام كانت معتدلة ، سواء كانت شهوانية أو غضبية ، ومتى لم تكن كذلك كانت منحرفة إلى أعلى وإلى أسفل فكانت{[65826]} مذمومة ، فإن الله تعالى بلطف تدبيره ركب في الإنسان قوة غضبية دافعة لما يهلكه ويؤذيه ، وقوة شهوانية جالبة لما ينميه ويقويه ، فاعتدال الغضبية شجاعة ونقصها جبن{[65827]} وزيادتها{[65828]} تهور ، فالناس باعتبارها جبان وشجاع ومتهور ، واعتدال الشهوانية عفة ونقصانها زهادة وزيادتها{[65829]} شره ، والناس باعتبارها زهيد وعفيف وشره ، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم ، وميزان العدل متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما شرعه ، فبذلك تنزاح الفتن الظاهرة والباطنة ، ولا طريق إلى الله إلا بما شرعه ، وكل طريق لم يشرعه ضلال من الكفر إلى ما دونه ، ثم سبب عن{[65830]} أمره ذلك قوله معبراً بأداة الشك إشارة إلى البشارة بحفظ هذه الأمة من الردة ومشعراً{[65831]} بأن بعضهم يقع منه ذلك ثم يقرب رجوعه أو هلاكه : { فإن توليتم } أي كلفتم أنفسكم عندما تدعو إليه الفطرة الأولى من الإعراض عن هذا النور الأعظم والميل إلى طرف من الأطراف المفهومة من طرفي{[65832]} القصد فما على رسولنا شيء من توليكم { فإنما على رسولنا } أضافه إليه على وجه العظمة تعظيماً له وتهديداً لمن يتولى عنه{[65833]} { البلاغ المبين * } أي الظاهر في نفسه المظهر لكل أحد أنه أوضح له غاية الإيضاع ولم يدع لبساً ، ليس إليه خلق الهداية في القلوب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.