فأما موسى - عليه السلام - فالتجأ إلى الركن الركين والحصن الحصين ، ولاذ بالجناب الذي يحمي اللائذين ، ويجير المستجيرين :
( وقال موسى : إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ) . .
قالها . واطمأن . وسلم أمره إلى المستعلي على كل متكبر ، القاهر لكل متجبر ، القادر على حماية العائذين به من المستكبرين . وأشار إلى وحدانية الله ربه وربهم لم ينسها أو يتركها أمام التهديد والوعيد . كما أشار إلى عدم الإيمان بيوم الحساب . فما يتكبر متكبر وهو يؤمن بيوم الحساب ، وهو يتصور موقفه يومئذ حاسراً خاشعاً خاضعاً ذليلاً ، مجرداً من كل قوة ، ما له من حميم ولا شفيع يطاع .
إني عذت بربي : استعذت واستجرت واعتصمت بربّي ، يقال : استعذت بالله وعذت به معاذا وعياذا : اعتصمت .
27- { وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب } .
سمع موسى برغبة فرعون في قتله ، فالتجأ إلى الله وتحصّن بجنابه ، واستمدّ منه المعونة والحفظ ، وخاطب موسى قومه في غيبة فرعون ، وقال لهم : إني أستعيذ بالله ، والجأ إليه ، و أتحصّنُ بالرجاء فيه ، والمعونة منه ، فهو ربّي وخالقي وربكم ، فضم جماعة المؤمنين إليه إذ تآلف الأرواح له شأن كبير في استجلاب الإجابة ، ومن أجل ذلك شرعت صلاة الجماعة .
{ من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب } .
جعل استعاذته عامة ليست لشخص فرعون ، بل لكل من اتصف بصفات الكبر والتعاظم على الإيمان بالله ، فهذا كِبْر من أسوأ أنواع الكبر ، لأن تكبر على المتفرد بالعظمة والكبرياء ، فإذا انضم إلى هذا الكبر عدم الإذعان للحق ، وعدم الإيمان بالبعث والحساب والجزاء ، دلّ ذلك على أنه قد بلغ الغاية في الطغيان ، فمن اجتمع فيه التكبر ، والتكذيب بالجزاء ، وقلة المبالاة بالعاقبة ، فقد استكمل القسوة والجرأة على الله سبحانه .
{ وَقَالَ مُوسَى } حين قال فرعون تلك المقالة الشنيعة التي أوجبها له طغيانه ، واستعان فيها بقوته واقتداره ، مستعينًا بربه : { إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ } أي : امتنعت بربوبيته التي دبر بها جميع الأمور { مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } أي : يحمله تكبره وعدم إيمانه بيوم الحساب على الشر والفساد ، يدخل فيه فرعون وغيره ، كما تقدم قريبًا في القاعدة ، فمنعه الله تعالى بلطفه من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ، وقيض له من الأسباب ما اندفع به عنه شر فرعون وملئه .
ومن جملة الأسباب ، هذا الرجل المؤمن ، الذي من آل فرعون ، من بيت المملكة ، لا بد أن يكون له كلمة مسموعة ، وخصوصًا إذا كان يظهر موافقتهم ويكتم إيمانه ، فإنهم يراعونه في الغالب ما لا يراعونه لو خالفهم في الظاهر ، كما منع الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بعمه أبي طالب من قريش ، حيث كان أبو طالب كبيرًا عندهم ، موافقًا لهم على دينهم ، ولو كان مسلمًا لم يحصل منه ذلك المنع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.