التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِنِّي عُذۡتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٖ لَّا يُؤۡمِنُ بِيَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ} (27)

ثم حكى - سبحانه - ما قاله موسى عليه السلام - بعد أن سمع من فرعون تهديداته له ، وتطاوله عليه ، فقال - تعالى - : { وَقَالَ موسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب } .

وقوله { عُذْتُ } بمعنى استجرت ولجأت . يقال : عاذ فلان بفلان واستعاذ به ، إذا لجأ إليه . واستجار به .

أى : وقال موسى - عليه السلام - لقومه على سبيل التثبيت لهم على الحق يا قوم . إنى استجرت وتحصنت بربى وربكم من شر كل مستكبر عن الإِيمان بالحق ، كافر بيوم الحساب وما فيه من ثواب وعقاب .

وفى هذا القول الذى قاله موسى لقومه : يتجلى صدق إيمانه ، وقوة يقينه ووثوقه برعاية الله - تعالى - له ، كما يتجلى فيه حرصه على نصحه لقومه بالثبات على الحق ، لأن الله - تعالى - الذى هو ربه وربهم ، كفيل برعايته ورعايتهم وبانجائه وبإنجائهم من فرعون وملئه ، كما يتجلى فيه أن الاستكبار عن اتباع الحق ، والتكذيب بالبعث ، على رأس الأسباب التى تعين على قسوة القلب ، وفساد النفس .

قال صاحب الكشاف : وقوله : { وَرَبِّكُمْ } فيه بعث لهم على أن يقتدوا به ، فيعوذوا بالله عياذه ، ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه ، وقال : { مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ } لتشمل استعاذته من فرعون وغيره من الجبابرة ، وليكون على طريقة التعريض ، فيكون أبلغ . وأراد بالتكبر : الاستكبار عن الإِذعان للحق ، وهو أقبح استكبار وأدله على دناءة صاحبه ، ومهانة نفسه ، وعلى فرط ظلمه وعسفه .

وقال : { لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب } لأنه إذا اجتمع فى الرجل التجبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة ، فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله وعباده ، ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها . .