واعلم أنه تعالى لما حكى عن فرعون هذا الكلام حكى بعده ما ذكره موسى عليه السلام فحكى عنه أنه قال : { إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب } وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ نافع وأبو بكر وحمزة والكسائي عذت بإدغام الذال في التاء والباقون بالإظهار .
المسألة الثانية : المعنى أنه لم يأت في دفع شره إلا بأن استعاذ بالله ، واعتمد على فضل الله لا جرم صانه الله عن كل بلية وأوصله إلى كل أمنية ، وعلم أن هذه الكلمات التي ذكرها موسى عليه السلام تشتمل على فوائد :
الفائدة الأولى : أن لفظة { إني } تدل على التأكيد فهذا يدل على أن الطريق المؤكد المعتبر في دفع الشرور والآفات عن النفس الاعتماد على الله والتوكل على عصمة الله تعالى .
الفائدة الثانية : أنه قال : { إني عذت بربي وربكم } فكما أن عند القراءة يقول المسلم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فالله تعالى يصون دينه وإخلاصه عن وساوس شياطين الجن ، فكذلك عند توجه الآفات والمخافات من شياطين الإنس إذا قال المسلم : أعوذ بالله فالله يصونه عن كل الآفات والمخافات .
الفائدة الثالثة : قوله { بربي وربكم } والمعنى كأن العبد يقول إن الله سبحانه هو الذي رباني وإلى درجات الخير رقاني ، ومن الآفات وقاني ، وأعطاني نعما لا حد لها ولا حصر ، فلما كان المولى ليس إلا الله وجب أن لا يرجع العاقل في دفع كل الآفات إلا إلى حفظ الله تعالى .
الفائدة الرابعة : أن قوله { وربكم } فيه بعث لقوم موسى عليه السلام على أن يقتدوا به في الاستعاذة بالله ، والمعنى فيه أن الأرواح الطاهرة القوية إذا تطابقت على همة واحدة قوي ذلك التأثير جدا ، وذلك هو السبب الأصلي في أداء الصلوات في الجماعات .
الفائدة الخامسة : أنه لم يذكر فرعون في هذا الدعاء ، لأنه كان قد سبق له حق تربية على موسى من بعض الوجوه ، فترك التعيين رعاية لذلك الحق .
الفائدة السادسة : أن فرعون وإن كان أظهر ذلك الفعل إلا أنه لا فائدة في الدعاء على فرعون بعينه ، بل الأولى الاستعاذة بالله في دفع كل من كان موصوفا بتلك الصفة ، حتى يدخل فيه كل من كان عدوا سواء كان مظهرا لتلك العداوة أو كان مخفيا لها .
الفائدة السابعة : أن الموجب للإقدام على إيذاء الناس أمران : ( أحدهما ) كون الإنسان متكبرا قاسي القلب ، ( والثاني ) كونه منكرا للبعث والقيامة ، وذلك لأن التكبر القاسي قد يحمله طبعه على إيذاء الناس إلا أنه إذا كان مقرا بالبعث والحساب صار خوفه من الحساب مانعا له من الجري على موجب تكبره ، فإذا لم يحصل عنده الإيمان بالبعث والقيامة كانت الطبيعة داعية له إلى الإيذاء والمانع وهو الخوف من السؤال والحساب زائلا ، وإذا كان الخوف من السؤال والحساب زائلا فلا جرم تحصل القسوة والإيذاء .
الفائدة الثامنة : أن فرعون لما قال : { ذروني أقتل موسى } قال على سبيل الاستهزاء { وليدع ربه } فقال موسى إن الذي ذكرته يا فرعون بطريق الاستهزاء هو الدين المبين والحق المنير ، وأنا أدعو ربي وأطلب منه أن يدفع الشرك عني ، وسترى أن ربي كيف يقهرك ، وكيف يسلطني عليك .
واعلم أن من أحاط عقله بهذه الفوائد علم أنه لا طريق أصلح ولا أصوب في دفع كيد الأعداء وإبطال مكرهم إلا الاستعاذة بالله والرجوع إلى حفظ الله ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.