90 ، 91- { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ } .
والمعنى : وأما إن كان المحتضر من السعداء أهل الجنة ، الذين يأخذون كتابهم بيمينهم ، فإن الملائكة تتلقاهم بالسلام والأمان ، وتبشرهم بالجنة ، وتطمئنهم على حسن مستقبلهم ، وعلى رعاية الله لذريتهم بعد وفاتهم .
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ *نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } . ( فصلت : 30-32 ) .
" فسلام لك من أصحاب اليمين " أي لست ترى منهم إلا ما تحب من السلامة فلا تهتم لهم ، فإنهم يسلمون من عذاب الله . وقيل : المعنى سلام لك منهم ، أي أنت سالم من الاغتمام لهم . والمعنى واحد . وقيل : أي إن أصحاب اليمين يدعون لك يا محمد بأن يصلي الله عليك وسلم . وقيل : المعنى إنهم يسلمون عليك يا محمد . وقيل : معناه سلمت أيها العبد مما تكره فإنك من أصحاب اليمين ، فحذف إنك . وقيل : إنه يُحَيَّا بالسلام إكراما ، فعلى هذا في محل السلام ثلاثة أقاويل : أحدها : عند قبض روحه في الدنيا يسلم عليه ملك الموت ، قاله الضحاك . وقال ابن مسعود : إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال : ربك يقرئك السلام . وقد مضى هذا في سورة " النحل{[14692]} " عند قوله تعالى : " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين " [ النحل : 32 ] . الثاني : عند مساءلته في القبر يسلم عليه منكر ونكير . الثالث : عند بعثه في القيامة تسلم عليه الملائكة قبل وصوله إليها .
قلت : وقد يحتمل أن تسلم عليه في المواطن الثلاثة ويكون ذلك إكراما بعد إكرام . والله أعلم .
وجواب " إن " عند المبرد محذوف التقدير مهما يكن من شيء " فسلام لك من أصحاب اليمين " إن كان من أصحاب اليمين " فسلام لك من أصحاب اليمين " فحذف جواب الشرط لدلالة ما تقدم عليه ، كما حذف الجواب في نحو قولك أنت ظالم إن فعلت ، لدلالة ما تقدم عليه . ومذهب الأخفش أن الفاء جواب " أما " و " إن " ، ومعنى ذلك أن الفاء جواب " أما " وقد سدت مسد جواب " إن " على التقدير المتقدم ، والفاء جواب لهما على هذا الحد . ومعنى " أما " عند الزجاج : الخروج من شيء إلى شيء ، أي دع ما كنا فيه وخذ في غيره .
{ فسلام لك من أصحاب اليمين } معنى هذا على الجملة نجاة أصحاب اليمين وسعادتهم والسلام هنا يحتمل أن يكون بمعنى السلامة أو التحية والخطاب في ذلك يحتمل أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم أو لأحد من أصحاب اليمين فإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فالسلام بمعنى : السلامة والمعنى : سلام لك يا محمد منهم أي : لا ترى منهم إلا السلامة من العذاب وإن كان الخطاب لأحد من أصحاب اليمين فالسلام بمعنى التحية والمعنى : سلام لك أي : تحية لك يا صاحب اليمين من إخوانك وهم أصحاب اليمين أي : يسلمون عليك فهو كقوله : { إلا قيلا سلاما سلاما } [ الواقعة : 26 ] أو يكون بمعنى السلامة والتقدير سلامة لك يا صاحب اليمين ثم يكون قوله : { من أصحاب اليمين } خبر ابتداء مضمر تقديره أنت من أصحاب اليمين .
{ فسلام } أي سلامة{[62309]} ونجاة وأمر وقول دال عليه . ولما كان ما يواجه به الشريف من ذلك أعلى قال : { لك } أي يا أعلى الخلق أو يا أيها المخاطب .
ولما كان من أصاب{[62310]} السلام على وجه من الوجوه فائزاً ، فكيف إذا كان مصدراً للسلام ومنبعاً منه قال : { من أصحاب اليمين * } أي أنهم في غاية من{[62311]} السلامة وإظهار السلام ، لا يدرك وصفها ، وهو تمييز فيه معنى التعجيب ، فإن إضافته لم تفده تعريفاً ، وفي اللام و { من } مبالغة في ذلك ، فالمعنى : فأما هم فعجباً لك وأنت أعلى الناس في كل معنى ، وأعرفهم بكل أمر غريب منهم في سلامتهم وسلامهم وتعافيهم وملكهم وشرفهم وعلو مقامهم ، وذلك كله إنما أعطوه لأجلك زيادة في شرفك لاتباعهم لدينك ، فهو مثل قول {[62312]}القائل حيث قال{[62313]} :
فيا لك من ليل كأن نجومه *** بأمراس كتان إلى صم جندل
وقول القائل أيضاً حيث قال{[62314]} :لله در أنو شروان من رجل *** ما كان أعرفه بالدون والسفل
قوله : { فسلام لك من أصحاب اليمين } أي سلام لك فإنك ناج وأنت من أصحاب اليمين . يعني تسلم عليه الملائكة وتبشره بأنه من أصحاب اليمين .
على أنه لا يموت أحد من الناس حتى يعلم من أهل الجنة هو أم من أهل النار . فإذا أيقن أنه من أهل الجنة زهد في الدنيا وأحب الرحيل عنها للقاء الله ، وإذا أيقن أنه من أهل النار كره مفارقة الدنيا وأحب أن لا يبرحها البتة . وفي ذلك روى الإمام أحمد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال : رأيت شيخا أبيض الرأس واللحية على حمار وهو يتبع جنازة فسمعته يقول : حدثني فلان ابن فلان سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " قال : فأكبّ القوم يبكون ، فقال : ما يبكيكم ؟ فقالوا : إنا نكره الموت ، قال : ليس ذاك ولكنه إذا احتضر { فأما إن كان من المقربين 88 فروح وريحان وجنت نعيم } فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله عز وجل ، والله عز وجل للقائه أحب { وأما إن كان من المكذبين الضالين 92 فنزل من حميم 93 وتصلية جحيم } فإذا بشر بذلك كره لقاء الله ، والله تعالى للقائه أكره .