وبعد عرض قضية الوحي والرسالة ، وقضية البعث والحساب ، في هذه الصورة التقريرية ، يعود السياق ليعرضهما في صورة قصصية . تلمس القلب بما كان من مواقف التكذيب والإيمان وعواقبهما معروضة كالعيان :
واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون . إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ، فقالوا : إنا إليكم مرسلون . قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا ، وما أنزل الرحمن من شيء ، إن أنتم إلا تكذبون . قالوا : ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون . وما علينا إلا البلاغ المبين . قالوا : إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا : طائركم معكم ، أإن ذكرتم ? بل أنتم قوم مسرفون ) . .
ولم يذكر القرآن من هم أصحاب القرية ولا ما هي القرية . وقد اختلفت فيها الروايات . ولا طائل وراء الجري مع هذه الروايات .
وعدم إفصاح القرآن عنها دليل على أن تحديد اسمها أو موضعها لا يزيد شيئاً في دلالة القصة وإيحائها . ومن ثم أغفل التحديد ، ومضى إلى صميم العبرة ولبابها .
{ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون( 13 ) إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا( 14 ) ما أنتم إلا بشر مثلنا وما انزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون( 15 ) قالوا ربنا يعلم إنا لكم لمرسلون( 16 ) وما علينا إلا البلاغ المبين( 17 ) قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم( 18 ) قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون ( 19 )وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( 20 ) أتعبوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون( 21 ) ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( 22 ) أأتخذ من دونه ءالهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقدون( 23 ) إني إذا لفي ضلال مبين( 24 ) إني ءامنت بربكم فاسمعون( 25 ) قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( 26 ) بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( 27 ) }
واضرب لهم مثلا : اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية ، وضرب المثل يستعمل تارة في تشبيه حال غريبة بأخرى مثلها ، مثل وضرب الله مثلا للذين ءامنوا امرأت فرعون . . . الآية ( التحريم : 11 ) وتارة أخرى في ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تشبيهها بنظيرة لها مثل قوله تعالى : وضربنا لكم الأمثال ( إبراهيم : 45 ) أي : وبينا لكم أحوالا غاية في الغرابة كالأمثال .
القرية : قال القرطبي : هذه القرية هي أنطاكية ، في قول جميع المفسرين ( وهي قرية ببلاد الشام شمالي سورية ) .
المرسلون : هم أصحاب عيسى أرسلهم مقررين لشريعته . ويرى أ عبد الكريم الخطيب أن المرسلين هم موسى وهارون والثالث هو مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه وقيل : هم رسل أرسلهم الله إلى القرية مستقلين بالرسالة .
{ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون }
واضرب أيها الرسول الكريم لكفار مكة ، قصة عجيبة تنطبق على حالهم قصة رسل من رسل الله تعالى أرسلوا على قرية ما يدعون للإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر .
وقد ذهب القرطبي إلى أن هذه القرية هي أنطاكية وهي قرية ببلاد الشام تقع شمال سوريا وقيل إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء على الله تعالى .
ونلاحظ أن سياق القصة يدل على أن هؤلاء الرسل كانوا من عند الله تعالى .
قال تعالى : إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث . . ( يس : 14 ) .
كما نلاحظ أن أهل أنطاكية آمنوا برسل عيسى ، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح عليه السلام ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربع اللاتي فيهن بطاركة وهي : ( القدس ) لأنها بلد المسيح و( أنطاكية ) لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها و( الإسكندرية ) لن فيها اصطلحوا على اتخاذ البطاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة ، ثم ( روبية ) لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم ووطده .
وقد اختار هذا الرأي ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات وأيده بعدة أدلة . 10
ونلحظ أن القرآن الكريم أهمل أسماء أشخاص وبلاد لأن العبرة لا تتعلق باسم الشخص أو اسم القرية ومن ثم أغفل القرآن التحديد ومضى إلى صميم العبرة ولبابها .
قوله تعالى : " واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون " خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمر أن يضرب لقومه مثلا بأصحاب القرية{[13199]} هذه القرية هي أنطاكية في قول جميع المفسرين فيما ذكر الماوردي . نسبت إلى أهل أنطبيس وهو اسم الذي بناها ثم غير لما عرب . ذكره السهيلي . ويقال فيها : أنتاكية بالتاء بدل الطاء . وكان بها فرعون يقال له أنطيخس بن أنطيخس يعبد الأصنام . ذكره المهدوي ، وحكاه أبو جعفر النحاس عن كعب ووهب . فأرسل الله إليه ثلاثة : وهم صادق ، وصدوق ، وشلوم هو الثالث . هذا قول الطبري . وقال غيره : شمعون ويوحنا . وحكى النقاش : سمعان ويحيى ، ولم يذكرا صادقا ولا صدوقا . ويجوز أن يكون " مثلا " و " أصحاب القرية " مفعولين لأضرب ، أو " أصحاب القرية " بدلا من " مثلا " أي اضرب لهم مثل أصحاب القرية فحذف المضاف . أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار هؤلاء المشركين أن ما يحل بهم ما حل بكفار أهل القرية المبعوث إليهم ثلاثة رسل . قيل : رسل من الله على الابتداء . وقيل : إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء إلى الله . وهو قوله تعالى : " إذ أرسلنا إليهم اثنين "
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.