في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلًا أَصۡحَٰبَ ٱلۡقَرۡيَةِ إِذۡ جَآءَهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (13)

وبعد عرض قضية الوحي والرسالة ، وقضية البعث والحساب ، في هذه الصورة التقريرية ، يعود السياق ليعرضهما في صورة قصصية . تلمس القلب بما كان من مواقف التكذيب والإيمان وعواقبهما معروضة كالعيان :

واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون . إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ، فقالوا : إنا إليكم مرسلون . قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا ، وما أنزل الرحمن من شيء ، إن أنتم إلا تكذبون . قالوا : ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون . وما علينا إلا البلاغ المبين . قالوا : إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا : طائركم معكم ، أإن ذكرتم ? بل أنتم قوم مسرفون ) . .

ولم يذكر القرآن من هم أصحاب القرية ولا ما هي القرية . وقد اختلفت فيها الروايات . ولا طائل وراء الجري مع هذه الروايات .

وعدم إفصاح القرآن عنها دليل على أن تحديد اسمها أو موضعها لا يزيد شيئاً في دلالة القصة وإيحائها . ومن ثم أغفل التحديد ، ومضى إلى صميم العبرة ولبابها .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلًا أَصۡحَٰبَ ٱلۡقَرۡيَةِ إِذۡ جَآءَهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (13)

قصة أصحاب القرية

{ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون( 13 ) إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا( 14 ) ما أنتم إلا بشر مثلنا وما انزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون( 15 ) قالوا ربنا يعلم إنا لكم لمرسلون( 16 ) وما علينا إلا البلاغ المبين( 17 ) قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم( 18 ) قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون ( 19 )وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين( 20 ) أتعبوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون( 21 ) ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون( 22 ) أأتخذ من دونه ءالهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقدون( 23 ) إني إذا لفي ضلال مبين( 24 ) إني ءامنت بربكم فاسمعون( 25 ) قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون( 26 ) بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين( 27 ) }

المفردات :

واضرب لهم مثلا : اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية ، وضرب المثل يستعمل تارة في تشبيه حال غريبة بأخرى مثلها ، مثل وضرب الله مثلا للذين ءامنوا امرأت فرعون . . . الآية ( التحريم : 11 ) وتارة أخرى في ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تشبيهها بنظيرة لها مثل قوله تعالى : وضربنا لكم الأمثال ( إبراهيم : 45 ) أي : وبينا لكم أحوالا غاية في الغرابة كالأمثال .

القرية : قال القرطبي : هذه القرية هي أنطاكية ، في قول جميع المفسرين ( وهي قرية ببلاد الشام شمالي سورية ) .

المرسلون : هم أصحاب عيسى أرسلهم مقررين لشريعته . ويرى أ عبد الكريم الخطيب أن المرسلين هم موسى وهارون والثالث هو مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه وقيل : هم رسل أرسلهم الله إلى القرية مستقلين بالرسالة .

13

التفسير :

{ واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون }

واضرب أيها الرسول الكريم لكفار مكة ، قصة عجيبة تنطبق على حالهم قصة رسل من رسل الله تعالى أرسلوا على قرية ما يدعون للإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر .

وقد ذهب القرطبي إلى أن هذه القرية هي أنطاكية وهي قرية ببلاد الشام تقع شمال سوريا وقيل إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء على الله تعالى .

ونلاحظ أن سياق القصة يدل على أن هؤلاء الرسل كانوا من عند الله تعالى .

قال تعالى : إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث . . ( يس : 14 ) .

كما نلاحظ أن أهل أنطاكية آمنوا برسل عيسى ، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح عليه السلام ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربع اللاتي فيهن بطاركة وهي : ( القدس ) لأنها بلد المسيح و( أنطاكية ) لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها و( الإسكندرية ) لن فيها اصطلحوا على اتخاذ البطاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة ، ثم ( روبية ) لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم ووطده .

وقد اختار هذا الرأي ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات وأيده بعدة أدلة . 10

ونلحظ أن القرآن الكريم أهمل أسماء أشخاص وبلاد لأن العبرة لا تتعلق باسم الشخص أو اسم القرية ومن ثم أغفل القرآن التحديد ومضى إلى صميم العبرة ولبابها .