وكم هنالك من آيات من هذا النوع الحاضر المتناثر في الكون ، لا يملك إنسان أن ينكره وهو جاد :
( ويريكم آياته . فأي آيات الله تنكرون ? )
نعم إن هنالك من ينكر . وهنالك من يجادل في آيات الله . وهنالك من يجادل بالباطل ليدحض به الحق . ولكن أحداً من هؤلاء لا يجادل إلا عن التواء ، أو غرض ، أو كبر ، أو مغالطة ، لغاية أخرى غير الحقيقة .
هنالك من يجادل لأنه طاغية كفرعون وأمثاله ، يخشى على ملكه ، ويخشى على عرشه ، لأن هذا العرش يقوم على أساطير يذهب بها الحق ، الذي يثبت بثبوت حقيقة الألوهية الواحدة !
وهنالك من يجادل لأنه صاحب مذهب في الحكم كالشيوعية يتحطم إذا ثبتت حقيقة العقيدة السماوية في نفوس البشر . لأنه يريد أن يلصق الناس بالأرض ؛ وأن يعلق قلوبهم بمعداتهم وشهوات أجسادهم ؛ وأن يفرغها من عبادة الله لتعبد المذهب أو تعبد الزعيم !
وهنالك من يجادل لأنه ابتلي بسيطرة رجال الدين - كما وقع في تاريخ الكنيسة في العصور الوسطى - ومن ثم فهو يريد الخلاص من هذه السيطرة . فيشتط فيرد على الكنيسة إلهها ، الذي تستعبد باسمه الناس !
وهنالك أسباب وأسباب . . غير أن منطق الفطرة ينفر من هذا الجدال ، ويقر بالحقيقة الثابتة في ضمير الوجود ؛ والتي تنطق بها آيات الله بعد كل جدال !
آياته : دلائل قدرته في الآفاق وفي أنفسكم .
فأي آيات الله تنكرون : الدالة على ما ذكر من تلك الآيات ، فإنها لوضوحها وظهورها لا تقبل الإنكار .
81- { ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون } .
الله تعالى يريكم دلائل قدرته في البر والبحر والجوّ ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، والنور والظلام ، والصيف والشتاء ، والتقدم العلمي ، وأدلة القدرة في الأنفس والآفاق ، فأيّ هذه الآيات الباهرات تنكرون دلالتها على قدرة الله ، إن هذه المخلوقات البديعة لم يَدّع أحد أنه خلقها ، ثم هي لم تخلُقْ نفسها ، فلم يبق إلا أن تكون مخلوقة لله رب العالمين .
وقد ختمت الآية بهذا الاستفهام الإنكاري ، منكرة على المخاطبين الجحود والكفر ، وقريب من ذلك ما ورد في الآيتين60 ، 61 من سورة النمل ، حيث يقول الله تعالى : { أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون * أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون } . ( النمل : 60 ، 61 ) .
ويقول سبحانه وتعالى : { أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها } . ( النازعات : 28 ، 27 ) .
{ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } الدالة على وحدانيته ، وأسمائه ، وصفاته ، وهذا من أكبر نعمه ، حيث أشهد عباده ، آياته النفسية ، وآياته الأفقية ، ونعمه الباهرة ، وعدَّدَها عليهم ، ليعرفوه ، ويشكروه ، ويذكروه .
{ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ } أي : أي آية من آياته لا تعترفون بها ؟ فإنكم ، قد تقرر عندكم ، أن جميع الآيات والنعم ، منه تعالى ، فلم يبق للإنكار محل ، ولا للإعراض عنها موضع ، بل أوجبت لذوي الألباب ، بذل الجهد ، واستفراغ الوسع ، للاجتهاد في طاعته ، والتبتل في خدمته ، والانقطاع إليه .
" ويريكم آياته " أي آياته الدالة على وحدانيته وقدرته فيما ذكر . " فأي آيات الله تنكرون " نصب " أيا " ب " تنكرون " ، لأن الاستفهام له صدر الكلام فلا يعمل فيه ما قبله ، ولو كان مع الفعل هاء لكان الاختيار في " أي " الرفع ، ولو كان الاستفهام بألف أو هل وكان بعدهما اسم بعده فعل معه هاء لكان الاختيار النصب ، أي إذا كنتم لا تنكرون أن هذه الأشياء من الله فلم تنكرون قدرته على البعث والنشر .
ولما كانت هذه آية عظيمة جعلها سبحانه مشتملة على آيات كثيرة ، عبر فيها بالماضي وعطف بالمضارع تنبيهاً على التجدد على ما تقديره : فأراكم هذه الآيات البينات منها ، قوله : { ويريكم } أي في لحظة { آياته } أي الكثيرة الكبيرة فيها وفي غيرها من أنفسكم ومن الآفاق ، ودل على كثرة الآيات وعظمتها بإسقاط تاء التأنيث كما هو المستفيض في غير النداء بإظهار الاسم الأعظم في قوله : { فأيّ آيات الله } أي المحيط بصفات الكمال { تنكرون * } حتى تتوجه لكم المجادلة في آياته التي من أوضحها البعث .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.