وفي ظلال قصة العقيدة ، وفي مواجهة وعد الله بالتمكين لهذا الدين الأخير ، يهتف القرآن الكريم بالذين آمنوا . . من كان يواجه ذلك الخطاب ومن يأتي بعدهم من المؤمنين إلى يوم الدين . . يهتف بهم إلى أربح تجارة في الدنيا والآخرة . تجارة الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله :
( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم . تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم . ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ، ذلك الفوز العظيم . وأخرى تحبونها : نصر من الله وفتح قريب ، وبشر المؤمنين ) . .
وصيغة التعبير بما فيها من فصل ووصل ، واستفهام وجواب ، وتقديم وتأخير ، صيغة ظاهر فيها القصد إلى إقرار هذا الهتاف في القلوب بكل وسائل التأثير التعبيرية .
يبدأ بالنداء باسم الإيمان : يا أيها الذين آمنوا . . يليه الاستفهام الموحي . فالله - سبحانه - هو الذي يسألهم ويشوقهم إلى الجواب : ( هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ? ) . .
ومن ذا الذي لا يشتاق لأن يدله الله على هذه التجارة ? وهنا تنتهي هذه الآية ، وتنفصل الجملتان للتشويق بانتظار الجواب المرموق .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( 10 ) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 11 ) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 12 ) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ( 13 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ( 14 ) }
تجارة : التجارة هنا : العمل الصالح ، وهي في الأصل : تداول البيع والشراء لأجل الكسب .
10- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } .
نزلت هذه السورة تُشوّق المسلمين إلى الجهاد ، ونزلت هذه الآيات أيضا على أسلوب التشويق ، فهي تُشوق المسلمين إلى تجارة رابحة ، وتقول : يا أيها الذين آمنوا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، هل أخبركم وأرشدكم إلى تجارة رابحة ، تنقذكم من عذاب جهنم ، وتقربكم إلى الجنة .
{ 10-14 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } ، هذه وصية ودلالة وإرشاد من أرحم الراحمين لعباده المؤمنين ، لأعظم تجارة ، وأجل مطلوب ، وأعلى مرغوب ، يحصل بها النجاة من العذاب الأليم ، والفوز بالنعيم المقيم .
{ ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى على الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين . يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم } قرأ ابن عامر " تنجيكم " بالتشديد ، والآخرون بالتخفيف ، { من عذاب أليم } نزل هذا حين قالوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل لعملناه ، وجعل ذلك بمنزلة التجارة لأنهم يربحون بها رضا الله ونيل جنته والنجاة من النار .
ولما أنتج هذا كله نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل حال ودمار من يخالف أمره ، أنتج قطعاً أن الجهاد معه {[65086]}متجر رابح{[65087]} لأن النصر مضمون ، والموت منهل لا بد من وروده سواء خاض الإنسان الحتوف أو احترس في القصور المشيدة ، فقال تعالى في أسلوب النداء والاستفهام لأنه أفخم وأشد تشويقاً{[65088]} بالأداة التي لا يكون ما بعدها إلا بالغاً في العظم إلى النهاية : { يا أيها الذين آمنوا } أي قالوا في{[65089]} إقرارهم بالإيمان ما عليهم أن يفعلوا بمقتضاه { هل أدلكم } وأنا المحيط علماً وقدرة ، فهي إيجاب في المعنى ذكر بلفظ الاستفهام تشويقاً ليكون أوقع في النفس فتكون له أشد تقبلاً ، والآية أيضاً نتيجة ما مضى باعتبار آخر{[65090]} لأنه لما وبخ على انحلال العزائم واخبر بما يجب من القتال ، وبكت على أذى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمخالفة ، وأخبر أن من خالفه لا يضر إلا نفسه ، كان موضع الاستباق في طاعته فرتب عليه الاشتياق إلى{[65091]} ذكر ثمرته فذكرها ، ولما كان{[65092]} فعل حاطب رضي الله عنه لأجل أن{[65093]} لا نجاح أهله الذين كانوا بمكة في أنفسهم ولا في شيء من مالهم ، وكان هذا في معنى التجارة قال : { على تجارة } وقراءة ابن عامر{[65094]} { تنجيكم } بالتشديد أنسب لهذا المقام من قراءة الجماعة بالتخفيف ، وقراءة الجماعة أنسب لمقصود{[65095]} حاطب رضي الله عنه { من عذاب أليم * } بالإجاحة{[65096]} في النفس أو{[65097]} المال .