اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَةٖ تُنجِيكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (10)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكُمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } الآية .

قال مقاتلٌ : نزلت في عثمان بن مظعون ، قال : يا رسول الله ، لو أذنت لي فطلقت خولة ، وترهبت واختصيت ، وحرمت اللحم ، ولا أنام بليل أبداً ، ولا أفطر بنهار أبداً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنَّ من سُنَّتِي النَّكاحَ فلا رهْبانِيَةَ في الإسْلامِ وإنَّما رَهْبانِيةُ أمَّتِي الجهادُ في سبيلِ اللَّهِ ، وخصاء أمَّتِي الصَّومُ ، فلا تُحرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لكُم ، ومِنْ سُنَّتِي أنَامُ وأقُومُ وأفْطِرُ وأصُومُ ، فمنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فليْسَ منِّي " ، فقال عثمان : لوددت يا نبي الله ، أي التجارات أحب إلى الله فأتجر فيها ، فنزلت{[56471]} .

وقيل : «أدُلُّكُمْ » أي : سأدلكم ، والتجارة : الجهاد ، قال الله تعالى : { إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة }[ التوبة : 111 ] : الآية ، وهذا خطاب لجميع المؤمنين .

وقيل : لأهل الكتاب ، وقيل : نزل هذا حين قالوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا .

قال البغويُّ{[56472]} : وجعل ذلك بمنزلة التجارة ؛ لأنهم يرجون بها رضا الله عز وجل ، ونيل جنته والنجاة من النار .

والتجارة عبارة عن معاوضة الشيء بالشيء ، كما أن التجارة تنجي التاجر من الفقر فكذا هذه التجارة ، وكما أن في التجارة الربح والخسران ، فكذلك هذه التجارة ، فمن آمن وعمل صالحاً ، فله الأجر الوافر ، ومن أعرض عن الإيمان والعمل الصالح ، فله الخسران المبين{[56473]} .

قوله : { تُنجِيكُم } هذه الجملة صفة ل «تجارة »{[56474]} ، وقرأ ابن عامر{[56475]} : { تُنجّيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ } بالتشديد ، والباقون : بالتخفيف ، من «أنْجَى » ، وهما بمعنى واحد ؛ لأن التضعيف والهمزة متعديان .

والمعنى : يخلصكم من عذاب أليم ، أي مؤلم{[56476]} .


[56471]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/57).
[56472]:ينظر: معالم التنزيل 4/338.
[56473]:ينظر: الفخر الرازي 29/274.
[56474]:ينظر: الدر المصون 6/312.
[56475]:ينظر: السبعة 635، والحجة 6/289، 290، وإعراب القراءات 2/364، وحجة القراءات 708، والعنوان 190، وشرح شعلة 602، وإتحاف 2/537.
[56476]:ينظر: القرطبي 18/57.