التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَةٖ تُنجِيكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (10)

هذا تخلص إلى الغرض الذي افتتحت به السورة من قوله : { يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } إلى قوله : { كأنهم بنيان مرصوص } [ الصف : 2 4 ] . فبعد أن ضربت لهم الأمثال ، وانتقل الكلام من مجال إلى مجال ، أعيد خطابهم هنا بمثل ما خوطبوا به بقوله : { يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } [ الصف : 2 ] ، أي هل أدلكم على أحب العمل إلى الله لتعملوا به كما طلبتم إذْ قلتم لو نعلم أيَّ الأعمال أحبّ إلى الله لعملنا به فجاءت السورة في أُسلوب الخطابة .

والظاهر أن الضمير المستتر في { أدلكم } عائد إلى الله تعالى لأن ظاهر الخطاب أنه موجه من الله تعالى إلى المؤمنين . ويجوز أن يجعل الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم على تقدير قول محذوف وعلى اختلاف الاحتمال يختلف موقع قوله الآتي { وبشر المؤمنين } [ الصف : 13 ] .

والاستفهام مستعمل في العَرض مجازاً لأن العارض قد يسأل المعروضَ عليه ليعلم رغبته في الأمر المعروض كما يقال : هل لك في كذا ؟ أو هل لك إلى كذا ؟

والعرض هنا كناية عن التشويق إلى الأمر المعروض ، وهو دلالته إياهم على تجارة نافعة . وألفاظ الاستفهام تخرج عنه إلى معان كثيرة هي من ملازمات الاستفهام كما نبه عليه السكّاكي في « المفتاح » ، وهي غير منحصرة فيما ذكره .

وجيء بفعل { أدلكم } لإِفادة ما يذكر بعده من الأشياء التي لا يهتدى إليها بسهولة .

وأطلق على العمل الصالح لفظُ التجارة على سبيل الاستعارة لمشابهة العمل الصالح التجارةَ في طلب النفع من ذلك العمل ومزاولته والكد فيه ، وقد تقدم في قوله تعالى : { فما ربحت تجارتهم } في سورة [ البقرة : 16 ] .

ووصف التجارة بأنها تنجي من عذاب أليم ، تجريد للاستعارة لقصد الصراحة بهذه الفائدة لأهميتها وليس الإِنجاء من العذاب من شأن التجارة فهو من مناسبات المعنى الحقيقي للعمل الصالح .