( فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ) :
ولن يرضى الكافرون من المؤمنين أن يخلصوا دينهم لله ، وأن يدعوه وحده دون سواه . ولا أمل في أن يرضوا عن هذا مهما لاطفهم المؤمنون أو هادنوهم أو تلمسوا رضاهم بشتى الأساليب . فليمض المؤمنون في وجهتهم ، يدعون ربهم وحده ، ويخلصون له عقيدتهم ، ويصغون له قلوبهم . ولا عليهم رضي الكافرون أم سخطوا . وما هم يوماً براضين !
14- { فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون } .
فأخلصوا لله وحده العبادة ، فهو الخالق الرازق ، المعطي المانع ، السميع البصير ، الذي بيده الخلق والأمر والأصنام لا تملك لكم نفعا ولا ضرا ، فاعبدوه وحده لا شريك له ، ولو كره الكافرون هذا الإخلاص .
أخرج الإمام أحمد ، ومسلم ، والترمذي ، والنّسائي أن عبد الله بن الزبير كان يقول في دبر كل صلاة حين يُسلّم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون . {[616]} .
قال الإمام أحمد : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلُّ بهنَّ دبر كل صلاة {[617]} .
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عقب الصلوات المكتوبات : " إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " . {[618]}
ولما كانت الآيات تثمر التذكر ، والتذكر يوجب الإخلاص للّه ، رتب الأمر على ذلك بالفاء الدالة على السببية فقال : { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة ، والإخلاص معناه : تخليص القصد للّه تعالى في جميع العبادات الواجبه والمستحبة ، حقوق الله وحقوق عباده . أي : أخلصوا للّه تعالى في كل ما تدينونه به وتتقربون به إليه .
{ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } لذلك ، فلا تبالوا بهم ، ولا يثنكم ذلك عن دينكم ، ولا تأخذكم بالله لومة لائم ، فإن الكافرين يكرهون الإخلاص لله وحده غاية الكراهة ، كما قال تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }
ولما كان كل من الناس يدعي أنه لا يعدل عن الدليل ، وكان كل أحد مأموراً بالنظر في الدليل مأموراً بالإنابة لما دل عليه من التوجه إلى الله وحده ، كان ذلك سبباً في معرفة الكل التوحيد الموجب لاعتقاده القدرة التامة الموجب لاعتقاد البعث ، فكان سبباً لإخلاصهم ، فقال تعالى مسبباً عنه : { فادعوا } وصرح بالاسم الأعظم تدريباً للمخلصين على كيفية الإخلاص فقال : { الله } أي المتوحد بصفات الكمال دعاء خضوع وتعبد بعد الإنابة بعد النظر في الدليل { مخلصين له الدين } أي الأفعال التي يقع الجزاء عليها ، فمن كان يصدق بالجزاء وبأن ربه غني لا يقبل إلا خالصاً اجتهد في تصفية أعماله ، فيأتي بها في غاية الخلوص عن كل ما يمكن أن يكدر من غير شائبة شرك جلي أو خفي كما أن معبوده واحد من غير شائبة نقص .
ولما كانت مخالفة الجنس شديدة لما تدعو إليه من المخاصمة الموجبة للمشاققة الموجبة لاستطابة الموت قال تعالى : { ولو كره } أي الدعاء منكم { الكافرون * } أي الساترون لأنوار عقولهم ، والإخلاص أن يفعل العباد لربهم مثل ما فعل لهم فلا يفعلوا فعلاً من أمر أو نهي إلا لوجهه خاصة من غير غرض لأنفسهم بجلب شيء من نفع أو ضر ، وذلك لأنه سبحانه فعل لهم كل إحسان من الخلق والرزق لأنفسهم خاصة لا لغرض يعود عليه - سبحانه وما أعز شأنه - بنفع ولا ضر ، فلا يكون شكرهم له إلا بما تقدم ، لكنه لما علم سبحانه أن هذا غير مقدور لهم إلا بغاية الجهد بل لا يقدرعليه إلا الأفراد ، خفف عنهم سبحانه بأن أباح لهم العمل لأجل الرجاء في ثوابه والخوف من عقابه ، ولم يجعل ذلك قادحاً في الإخلاص ، قال الاستاذ أبو القاسم القشيري : ولولا إذنه في ذلك لما كان في العالم مخلص .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.