ثم يتلقون عليه الود والتكريم :
( إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) . .
يتلقون هذا النطق من الملأ الأعلى . وهو يعدل هذه المناعم كلها ، ويمنحها قيمة أخرى فوق قيمتها . .
وهكذا ينتهي ذلك العرض المفصل والهتاف الموحي للقلوب ، الهتاف إلى ذلك النعيم الطيب والفرار من السلاسل والأغلال والسعير . . وهما طريقان . طريق مؤد إلى الجنة هذه وطريق مؤد إلى السعير !
4- إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا .
يقال لأهل الجنة تكريما لهم ، وتقديرا لطاعتهم ربهم : إن هذا الجزاء الكبير ، والنعيم والرضا والمثوبة ، والفضل الإلهي عليكم ، جزاء عادل لأعمالكم ، وقد كان عملكم وسعيكم في الدنيا مشكورا من الله لكم ، فما أعظم الفضل الإلهي الجليل ، إنه يوفّق للطاعة ، ويهدي المؤمنين إلى طريق الخير ، ثم يعطيهم المنازل العالية في الجنة ، ثم يتفضل عليهم بالتكريم والرضوان .
كما قال تعالى : كلوا واشربوا هنيئا بماأسلفتم في الأيام الخالية . ( الحاقة : 24 ) .
وكما قال تعالى : ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعلمون . ( الأعراف : 43 ) .
أي : وكان عملكم مقبولا مرضيّا ، جوزيتم عليه أحسن الجزاء مع الشكر والثناء .
قوله تعالى : " إن هذا كان لكم جزاء " أي يقال لهم : إنما هذا جزاء لكم أي ثواب . " وكان سعيكم " أي عملكم " مشكورا " أي من قبل الله ، وشكره للعبد قبول طاعته ، وثناؤه عليه ، وإثابته إياه . وروى سعيد عن قتادة قال : غفر لهم الذنب وشكر لهم الحسنى . وقال مجاهد : " مشكورا " أي مقبولا والمعنى متقارب ، فإنه سبحانه إذا قبل العمل شكره ، فإذا شكره أثاب عليه بالجزيل ؛ إذ هو سبحانه ذو الفضل العظيم . روي عن ابن عمر : أن رجلا حبشيا قال : يا رسول الله ! فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة ، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به ، وعملت بما عملت ، أكائن أنا معك في الجنة ؟ قال : [ نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة وضياؤه من مسيرة ألف عام ] ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ من قال لا إله إلا الله كان له بها عند الله عهد ، ومن قال سبحان الله والحمد لله كان له بها عند الله مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة ] ، فقال الرجل : كيف نهلك بعدها{[15702]} يا رسول الله ؟ فقال : [ إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضعه على جبل لأثقله . فتجيء النعمة من نعم الله فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يلطف{[15703]} الله برحمته ] . قال : ثم نزلت " هل أتى على الإنسان حين من الدهر " إلى قوله : " وملكا كبيرا " قال الحبشي : يا رسول الله ! وإن عيني لترى ما ترى ، عيناك في الجنة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نعم ) فبكى الحبشي حتى فاضت نفسه . وقال ابن عمر : فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته ويقول : " إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا " قلنا : يا رسول الله وما هو ؟ قال : [ والذي نفسي بيده لقد أوقفه الله ثم قال أي عبدي لأبيضن وجهك ولأبوئنك من الجنة حيث شئت ، فنعم أجر العاملين ] .
يفعل بهم-{[70712]} هذا سبحانه قائلاً لهم مؤكداً تسكيناً لقلوبهم لئلا يظنوا أن ما هم فيه على وجه الضيافة ونحوها فيظنوا انقطاعه { إن هذا } أي الذي تقدم من الثواب كله { كان } أي كوناً ثابتاً { لكم } بتكويني إياه من قبل موتكم { جزاء } أي على أعمالكم التي كنتم تجاهدون فيها أنفسكم عن هواها إلى ما يرضي ربكم فكنتم كلما عملتم عملاً كونت من هذا ما هو جزاء له { وكان } أي على وجه الثبات { سعيكم } ولما كان المقصود القبول لأن القابل الشاكر هو المعمول له ، بني للمفعول قوله : { مشكوراً * } أي لا يضيع شيئاً{[70713]} منه و{[70714]}يجازى بأكثر منه أضعافاً مضاعفة .
قوله : { إن هذا لكم جزاء } أي هذا الذي رزقتموه في الجنة من النعيم الدائم كان ثوابا لكم من الله جزاء إيمانكم بربكم وطاعتكم له { وكان سعيكم مشكورا } لقد تقبل الله منكم الطاعة وصالح الأعمال في الدنيا . أو رضي الله منكم أعمالكم وطاعتكم في الدنيا فأثابكم عليها ما أثابكم من التكريم وجزيل النعم{[4713]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.