اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمۡ جَزَآءٗ وَكَانَ سَعۡيُكُم مَّشۡكُورًا} (22)

قوله تعالى : { إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً } ، أي : يقال لهم : إن هذا كان جزاؤكم ، أي : ثواب أعمالكم ، فيزداد بذلك القول فرحهم وسرورهم ، كما أن المعاقب يزداد غمّه ، إذا قيل له : هذا جزاء عملك الرديء «وكَانَ سَعيُكُمْ » أي : عملكم «مَشْكوراً » أي : من قبل الله وشكره للعبد قبُول طاعته وثناؤه عليه وإثابته .

وقال قتادةُ : غفر لهم الذنب وشكر لهم الحسنى{[58958]} .

وقيل : هذا إخبار من الله - تعالى - لعباده في الدنيا كأنه - تعالى - شرح لهم ثواب أهل الجنة ، أي أنَّ هذا كان في علمي وحكمي جزاء لكم يا معاشر عبيدي لكم خلقتها ولأجلكم أعددتها .

فصل في الكلام على الآية

قال ابن الخطيب{[58959]} : وفي الآية سؤالان :

الأول : إذا كان فعل العبد خلقاً لله - تعالى - فكيف يعقل أن يكون فعل الله - تعالى - جزاء على فعل الله ؟ .

والجواب : أن الجزاء هو الكافي وذلك لا ينافي كونه فعلاً لله .

السؤال الثاني : كون سعي العبد مشكوراً يقتضي كون الله شاكراً له ؟ .

والجواب : كون الله - تعالى - شاكراً للعبد محال إلى على وجه المجاز ، وهو من ثلاثة أوجه :

الأول : قال القاضي : إن الثواب مقابل لعملهم كما أن الشكر مقابل للنعم .

والثاني : قال القفال : إنه مشهور في كلام الناس أن يقولوا للراضي بالقليل والمثنى به أنه مشكور ، فيحتمل أن يكون شكر الله لعباده ، وهو رضاه عنهم بالقليل من الطاعات وإعطائه إياهم عليهم ثواباً كبيراً .

الثالث : أن منتهى درجة العبد راضياً من ربه مرضيًّا لربه ، كما قال تعالى : { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [ الفجر : 27- 28 ] ، وكونها راضية من ربه أقلُّ درجة من كونها مرضية لربه ، فقوله تعالى : { إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً } إشارة إلى الأمر الذي تصير به النفس راضية مرضية ، وقوله : { وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } إشارة إلى كونها مرضية لربها لما كانت الحالة أعلى المقامات وآخر الدرجات لا جرم وقع الختم عليها في ذكر مراتب أحوال الأبرار والصديقين .


[58958]:ينظر القرطبي (19/96) وأخرجه الطبري (12/373).
[58959]:ينظر: الفخر الرازي 30/226.