في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ ءَالِهَةٞ تَمۡنَعُهُم مِّن دُونِنَاۚ لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَ أَنفُسِهِمۡ وَلَا هُم مِّنَّا يُصۡحَبُونَ} (43)

36

ثم يعيد عليهم السؤال في صورة أخرى : ( أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ? )فتكون هي التي تحرسهم إذن وتحفظهم ? كلا فهؤلاء الآلهة ( لا يستطيعون نصر أنفسهم )فهم من باب أولى لا يستطيعون نصر سواهم . ( ولا هم منا يصحبون )فيستمدوا القوة من صحبة القدرة لهم - كما استمدها هارون وموسى وربهما يقول لهما : ( إنني معكما أسمع وأرى ) . .

إن هذه الآلهة مجردة من القوة بذاتها ، وليس لها مدد من الله تستمد منه القوة . فهي عاجزة عاجزة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ ءَالِهَةٞ تَمۡنَعُهُم مِّن دُونِنَاۚ لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَ أَنفُسِهِمۡ وَلَا هُم مِّنَّا يُصۡحَبُونَ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مّنّا يُصْحَبُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ألهؤلاء المستعجلي ربهم بالعذاب آلهة تمنعهم ، إن نحن أحللنا بهم عذابنا ، وأنزلنا بهم بأسنا من دوننا ؟ ومعناه : أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم منا ؟ ثم وصف جلّ ثناؤه الاَلهة بالضعف والمهانة ، وما هي به من صفتها ، فقال : وكيف تستطيع آلهتهم التي يدعونها من دوننا أن تمنعهم منا وهي لا تستطيع نصر أنفسها . وقوله : وَلا هُمْ مِنّا يُصْحَبُونَ اختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك ، وفي معنى «يُصْحَبُون » ، فقال بعضهم : عني بذلك الاَلهة ، وأنها لا تصحب من الله بخير . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أنْفُسِهِمْ يعني الاَلهة . وَلا هُمْ مِنّا يُصْحَبُونَ يقول : لا يُصحبون من الله بخير .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا هم منا ينصرون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا أبو ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلا هُمْ مِنّا يُصْحَبُونَ قال : لا ينصرون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، قوله : أمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا إلى قوله : يُصْحَبُونَ قال : ينصرون . قال : قال مجاهد : ولا هم يُحْفظون .

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا هُمْ مِنّا يُصْحَبُونَ يُجَارُون . . .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا هُمْ مِنّا يُصْحَبُونَ يقول : ولا هم منا يجارون ، وهو قوله : وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ يعني الصاحب ، وهو الإنسان يكون له خفير مما يخاف ، فهو قوله يصحبون .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال هذا القول الذي حكيناه عن ابن عباس ، وأن هُمْ من قوله : وَلا هُمْ من ذكر الكفار ، وأن قوله : يُصْحَبُونَ بمعنى : يُجارون يُصْحبون بالجوار لأن العرب محكيّ عنها : أنا لك جار من فلان وصاحب ، بمعنى : أجيرك وأمنعك ، وهم إذا لم يصحبوا بالجوار ، ولم يكن لهم مانع من عذاب الله مع سخط الله عليهم ، فلم يصحبوا بخير ولم ينصروا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ ءَالِهَةٞ تَمۡنَعُهُم مِّن دُونِنَاۚ لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَ أَنفُسِهِمۡ وَلَا هُم مِّنَّا يُصۡحَبُونَ} (43)

أضرب إضراباً ثانياً ب ( أم ) المنقطعة التي هي أخت ( بل ) مع دلالتها على الاستفهام لقصد التقريع فقال : { أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا } ، أي بل ألهم آلهة . والاستفهام إنكار وتقريع ، أي ما لهم آلهة مانعة لهم من دوننا . وهذا إبطال لمعتقدهم أنهم اتخذوا الأصنام شفعاء .

وجملة { لا يستطيعون نصر أنفسهم } مستأنفة معترضة . وضمير { يستطيعون } عائد إلى آلهة أجري عليهم ضمير العقلاء مجاراة لما يجريه العرب في كلامهم . والمعنى : كيف ينصرونهم وهم لا يستطيعون نصر أنفسهم ، ولا هم مؤيدون من الله بالقبول .

ثم أضرب إضراباً ثالثاً انتقل به إلى كشف سبب غرورهم الذي من جهلهم به حسبوا أنفسهم آمنين من أخَذ الله إياهم بالعذاب فجرّأهم ذلك على الاستهزاء بالوعيد ، وهو قوله تعالى : { بل متعنا هؤلاء وآباءهم } ، أي فما هم مستمرون فيه من النعمة إنما هو تمتيع وإمهال كما متعنا آباءهم من قبل ، وكما كان لآبائهم آجال انتهوا إليها كذلك يكون لهؤلاء ، ولكن الآجال تختلف بحسب ما علم الله من الحكمة في مَداها حتى طالت أعمار آبائهم . وهذا تعريض بأن أعمار هؤلاء لا تبلغ أعمار آبائهم ، وأن الله يحل بهم الهلاك لتكذيبهم إلى أمدٍ عَلِمَه .

وقد وُجه الخطاب إليهم ابتداء بقوله تعالى : { قل من يكلؤكم } ، ثم أُعرض عنهم من طريق الخطاب إلى طريق الغيبة لأن ما وجه إليهم من إنكار أن يكلأهم أحد من عذاب الله جعلهم أحرياء بالإعراض عنهم كما في قوله تعالى : { هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها } الآية في سورة [ يونس : 22 ] .

و { يصحبون } إما مضارع صحبهُ إذا خالطه ولازمه ، والصحبة تقتضي النصر والتأييد ، فيجوز أن يكون الفاعل الذي ناب عنه من أسند إليه الفعلُ المبنيّ للنائب مراداً به الله تعالى ، أي لا يصحبهم الله ، أي لا يؤيدهم ؛ فيكون قوله تعالى : { منا } متعلقاً ب { يصحبون } على معنى ( مِن ) الاتصالية ، أي صحبة متصلةً بنا بمعنى صحبة متينة . وهذا نفي لما اعتقده المشركون بقولهم { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] .

ويجوز أن يكون الفاعل المحذوف محذوفاً لقصد العموم ، أي لا يصحبهم صاحب ، أي لا يجيرهم جار فإن الجوار يقتضي حِماية الجار فيكون قوله تعالى : { منا } متعلقاً ب { يصحبون } على معنى ( مِن ) التي بمعنى ( على ) كقوله تعالى : { فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا } [ غافر : 29 ] .

وإما مضارع أصحبه المهموز بمعنى حفظه ومنعه ، أي من السوء .