في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَرَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ فَقَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ أَنتُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (64)

48

ويبدو أن هذا التهكم الساخر قد هزهم هزا ، وردهم إلى شيء من التدبر والتفكر : ( فرجعوا إلى أنفسهم ، فقالوا : إنكم أنتم الظالمون ) . .

وكانت بادرة خير أن يستشعروا ما في موقفهم من سخف ، وما في عبادتهم لهذه التماثيل من ظلم . وأن تتفتح بصيرتهم لأول مرة فيتدبروا ذلك السخف الذي يأخذون به أنفسهم ، وذلك الظلم الذي هم فيه سادرون .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَرَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ فَقَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ أَنتُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (64)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَرَجَعُوَاْ إِلَىَ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوَاْ إِنّكُمْ أَنتُمُ الظّالِمُونَ * ثُمّ نُكِسُواْ عَلَىَ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هََؤُلآءِ يَنطِقُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فذكروا حين قال لهم إبراهيم صلوات الله عليه : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهِمْ هَذَا فاسْئَلُوهُمْ إنْ كانُوا يَنْطِقُونَ في أنفسهم ، ورجعوا إلى عقولهم ، ونظر بعضهم إلى بعض ، فقالوا : إنكم معشر القوم الظالمون هذا الرجل في مسألتكم إياه وقيلكم له من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم ؟ وهذه آلهتكم التي فعل بها ما فعل حاضرتكم فاسألوها

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : فَرَجَعُوا إلى أنْفُسِهِمْ فَقالُوا إنّكُمْ أنْتُمْ الظّالِمُونَ قال : ارعوَوْا ورجعوا عنه يعني عن إبراهيم ، فيما ادّعوا عليه من كسرهنّ إلى أنفسهم فيما بينهم ، فقالوا : لقد ظلمناه ، وما نراه إلا كما قال .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : فَرَجَعُوا إلى أنْفُسِهِمْ قال : نظر بعضهم إلى بعض فَقالُوا إنّكُمْ أنْتُمْ الظّالِمُونَ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَرَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ فَقَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ أَنتُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (64)

قوله تعالى { فرجعوا إلى أنفسهم } يجوز أن يكون معناه فرجع بعضهم إلى بعض ، أي أقبل بعضهم على خطاب بعض وأعرضوا عن مخاطبة إبراهيم على نحو قوله تعالى : { فسلِّموا على أنفسكم } [ النور : 61 ] وقوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } [ النساء : 29 ] ، أي فقال بعضهم لبعض إنكم أنتم الظالمون .

وضمائر الجمع مراد منها التوزيع كما في : ركب القومُ دوابهم ، ويجوز أن يكون معناه فرجع كل واحد إلى نفسه ، أي ترك التأمل في تهمة إبراهيم وتدبر في دفاع إبراهيم . فلاح لكل منهم أن إبراهيم بريء فقال بعضهم لبعض { إنكم أنتم الظالمون } . وضمائر الجمع جارية على أصلها المعروف . والجملة مفيدة للحصرْ ، أي أنتم ظالمون لا إبراهيم لأنكم ألصقتم به التهمة بأنه ظَلَم أصنامنا مع أن الظاهر أن نسألها عمّن فعلَ بها ذلك ، ويظهر أن الفاعل هو كبيرهم .

والرجوع إلى أنفسهم على الاحتمالين السابقين مستعار لشغل البال بشيء عقب شغله بالغير ، كما يرجع المرء إلى بيته بعد خروجه إلى مكان غيره .