في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّفۡتَرٗى وَمَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ} (36)

وينتهي هذا المشهد الرائع الجليل ؛ ويطوى الزمان ويطوى المكان ، فإذا موسى وهارون في مواجهة فرعون ، بآيات الله البينات ؛ وإذا الحوار بين الهدى والضلال ؛ وإذا النهاية الحاسمة في هذه الدنيا بالغرق ، وفي الحياة الأخرى باللعنة . في سرعة واختصار :

( فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا : ما هذا إلا سحر مفترى ، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين . وقال موسى : ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ، ومن تكون له عاقبة الدار ، إنه لا يفلح الظالمون . وقال فرعون :

( يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى ، وإني لأظنه من الكاذبين . واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق ، وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون . فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم . فانظر كيف كان عاقبة الظالمين . وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ، ويوم القيامة لا ينصرون ؛ وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ، ويوم القيامة هم من المقبوحين ) . .

إن السياق هنا يعجل بالضربة القاضية ؛ ويختصر حلقة السحرة التي تذكر في سور أخرى بتفصيل أو إجمال . يختصرها ليصل من التكذيب مباشرة إلى الإهلاك . ثم لا يقف عند الأخذ في الدنيا ، بل يتابع الرحلة إلى الآخرة . . وهذا الإسراع في هذه الحلقة مقصود ، متناسق مع اتجاه القصة في السورة : وهو تدخل يد القدرة بلا ستار من البشر ، فما إن يواجه موسى فرعون حتى يعجل الله بالعاقبة ، وتضرب يد القدرة ضربتها الحاسمة ، بلا تفصيل في المواجهة أو تطويل .

( فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا : ما هذا إلا سحر مفترى ، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ) . .

وكأنما هي ذات القولة التي يقولها المشركون لمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] في مكة يومذاك . . ( ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ) . . فهي المماراة في الحق الواضح الذي لا يمكن دفعه . المماراة المكرورة حيثما واجه الحق الباطل فأعيا الباطل الجواب . إنهم يدعون أنه سحر ، ولا يجدون لهم حجة إلا أنه جديد عليهم ، لم يسمعوا به في آبائهم الأولين !

وهم لا يناقشون بحجة ، ولا يدلون ببرهان ، إنما يلقون بهذا القول الغامض الذي لا يحق حقا ولايبطل باطلا ولا يدفع دعوى . فأما موسى - عليه السلام - فيحيل الأمر بينه وبينهم إلى الله . فما أدلوا بحجة ليناقشها ، ولا طلبوا دليلا فيعطيهم إنما هم يمارون كما يماري أصحاب الباطل في كل مكان وفي كل زمان ، فالاختصار أولى والإعراض أكرم ، وترك الأمر بينه وبينهم إلى الله :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّفۡتَرٗى وَمَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ} (36)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا جَآءَهُم مّوسَىَ بِآيَاتِنَا بَيّنَاتٍ قَالُواْ مَا هََذَآ إِلاّ سِحْرٌ مّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهََذَا فِيَ آبَآئِنَا الأوّلِينَ } .

يقول تعالى ذكره : فلما جاء موسى فرعون وملأه بأدلتنا وحججنا بينات أنها حجج شاهدة بحقيقة ما جاء به موسى من عند ربه ، قالوا لموسى : ما هذا الذي جئتنا به إلاّ سحرا افتريته من قِبَلك وتخرّصته كذبا وباطلاً وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا الذي تدعونا إليه من عبادة من تدعونا إلى عبادته في أسلافنا وآبائنا الأوّلين الذين مضوا قبلنا .