تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّفۡتَرٗى وَمَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ} (36)

فذهب موسى برسالة ربه { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ } واضحات الدلالة على ما قال لهم ، ليس فيها قصور ولا خفاء . { قَالُوا } على وجه الظلم والعلو والعناد { مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى } كما قال فرعون في تلك الحالة التي ظهر فيها الحق ، واستعل على الباطل ، واضمحل الباطل ، وخضع له الرؤساء العارفون حقائق الأمور { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ } هذا ، وهو الذكي غير الزكي الذي بلغ من المكر والخداع والكيد ما قصه اللّه علينا وقد علم { مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } ولكن الشقاء غالب .

{ وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ } وقد كذبوا في ذلك ، فإن اللّه أرسل يوسف عليه السلام قبل موسى ، كما قال تعالى { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّفۡتَرٗى وَمَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ} (36)

طوي ما بين نداء الله إياه وبين حضوره عند فرعون من الأحداث لعدم تعلق العبرة به . وأسند المجيء بالآيات إلى موسى عليه السلام وحده دون هارون لأنه الرسول الأصلي الذي تأتي المعجزات على يديه بخلاف قوله { فاذهبا بآياتنا } في سورة الشعراء ( 15 ) ، وقوله { بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون } [ القصص : 35 ] إذ جعل تعلق الآيات بضميريها لأن معنى الملابسة معنى متسع فالمصاحب لصاحب الآيات هو ملابس له .

والآيات البينات هي خوارق العادات التي أظهرها ، أي جاءهم بها آية بعد آية في مواقع مختلفة ، قالوا عند كل آية { ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } .

والمفترى : المكذوب . ومعنى كونها سحراً مكذوباً أنه مكذوب ادعاء أنه من عند الله وإخفاء كونه سحراً .

والإشارة في قوله { وما سمعنا بهذا } إلى ادعاء الرسالة من عند الله لأن ذلك هو الذي يسمع وأما الآيات فلا تسمع . فمرجع اسمي الإشارة مختلف ، أي ما سمعنا من يدعو آباءنا إلى مثل ما تدعو إليه فالكلام على حذف مضاف دل عليه حرف الظرفية ، أي في زمن آبائنا . وقد جعلوا انتفاء بلوغ مثل هذه الدعوة إلى آبائهم حتى تصل إليهم بواسطة آبائهم الأولين ، دليلاً على بطلانها وذلك آخر ملجأ يلجأ إليه المحجوج المغلوب حين لا يجد ما يدفع به الحق بدليل مقبول فيفزع إلى مثل هذه التلفيقات والمباهتات .