تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (147)

{ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } أي : هذا الحق الذي هو أحق أن يسمى حقا من كل شيء ، لما اشتمل عليه من المطالب العالية ، والأوامر الحسنة ، وتزكية النفوس وحثها على تحصيل مصالحها ، ودفع مفاسدها ، لصدوره من ربك ، الذي من جملة تربيته لك أن أنزل عليك هذا القرآن الذي فيه تربية العقول والنفوس ، وجميع المصالح .

{ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } أي : فلا يحصل لك أدنى شك وريبة فيه ، بل تفكَّر فيه وتأمل ، حتى تصل بذلك إلى اليقين ، لأن التفكر فيه لا محالة ، دافع للشك ، موصل لليقين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (147)

{ الحق من ربك } كلام مستأنف ، والحق إما مبتدأ خبره من ربك واللام للعهد ، والإشارة إلى ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الحق الذي يكتمونه ، أو للجنس . والمعنى أن { الحق } ما ثبت أنه من الله تعالى كالذي أنت عليه لا ما لم يثبت كالذي عليه أهل الكتاب ، وإما خبره مبتدأ محذوف أي هو { الحق } ومن ربك حال ، أو خبر بعد خبر . وقرئ بالنصب على أنه بدل من الأول ، أو مفعول { يعلمون } { فلا تكونن من الممترين } الشاكين في أنه من ربك ، أو في كتمانهم الحق عالمين به ، وليس المراد به نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشك فيه ، لأنه غير متوقع منه وليس بقصد واختيار ، بل إما تحقيق الأمر وإنه بحيث لا يشك فيه ناظر ، أو أمر الأمة باكتساب المعارف المزيحة للشك على الوجه الأبلغ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (147)

الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ( 147 )

وقوله تعالى : { الحق من ربك } ، { الحقُّ } رفع على إضمار الابتداء والتقدير هو الحق ، ويصح أن يكون ابتداء والخبر مقدر بعده( {[1398]} ) ، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه { الحقَّ } بالنصب ، على أن العامل فيه { يعلمون } ، ويصح نصبه على تقدير : الزم الحق .

وقوله تعالى : { فلا تكونن من الممترين } ، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته ، وامترى في الشيء إذا شك فيه ، ومنه المراء لأن هذا يشك في قول هذا ، وأنشد الطبري - شاهداً على أن الممترين الشاكون- قول الأعشى : [ المتقارب ]

تدر على اسؤق الممترين . . . ركضاً إذا ما السراب ارجحن( {[1399]} )

ووهم في ذلك لأن أبا عبيدة وغيره قالوا : الممترون في البيت هم الذين يْمرون الخيل بأرجلهم همزاً لتجري كأنهم يحتلبون الجري منها( {[1400]} ) ، فليس في البيت معنى من الشك كما قال الطبري( {[1401]} ) .


[1398]:- هذا بعيد والأولى أن يكون الخبر (من ربّك).
[1399]:- قبله: تبـاري الزجَاج مغَـاويرُهــا شَماطِيط في وهَج كالدَّخَــنْ يغمز الفرسان الأفراس بأرجلهم في شدة القيظ فتدر على أسؤقهم ركضا إذا ارْجَحَنَّ السراب أي ارتفع وعلا، والزِّجَاجُ: جمع (زُجٍّ) وهو الحديدة التي في أسفل الرمح – والمغوار من الرجال: المقاتل الكثير الغارات على أعدائه. والشماطيط: الفرق يقال: تفرق القوم شماطيط: إي فِرَقا، ويقال: جاءت الخيل شماطيط: أي متفرقة أرسالا. والدَّخَن: الدخان. ويقال لساق الراكب دِرَّةٌ: أي استدرار لجري الدابة – والأسؤُق: جمع ساق. ويجمع ساق أيضا على سوق وسيقان.
[1400]:- أي يستخرجون ما فيها من قوة الجري.
[1401]:- قال (ق) رحمه الله: بل معنى الشك فيه موجود لأنه يحتمل أن نختبر الفرس صاحبه أهو على ما عهد منه من الجري أم لا ؟، لئلا يكون أصابه شيء – أو يكون هذا أول شرائه فيجريه ليعلم مقدار جريه فهو في شك من أمر الفرس، ولذلك كان الاحتجاج به صحيحا.