تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ} (19)

{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أي : بيان معانيه ، فوعده بحفظ لفظه وحفظ معانيه ، وهذا أعلى ما يكون ، فامتثل صلى الله عليه وسلم لأدب ربه ، فكان إذا تلا عليه جبريل القرآن بعد هذا ، أنصت له ، فإذا فرغ قرأه .

وفي هذه الآية أدب لأخذ العلم ، أن لا يبادر المتعلم المعلم قبل أن يفرغ من{[1295]}  المسألة التي شرع فيها ، فإذا فرغ منها سأله عما أشكل عليه ، وكذلك إذا كان في أول الكلام ما يوجب الرد أو الاستحسان ، أن لا يبادر برده أو قبوله ، حتى يفرغ من ذلك الكلام ، ليتبين ما فيه من حق أو باطل ، وليفهمه فهما يتمكن به من الكلام عليه ، وفيها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كما بين للأمة ألفاظ الوحي ، فإنه قد بين لهم معانيه .


[1295]:- في ب: أن لا يبادر المتعلم للعلم قبل أن يفرغ المعلم.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ} (19)

{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أي : بعد حفظه وتلاوته نبينه لك ونوضحه ، ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن أبي عَوَانة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة ، فكان يحرك شفتيه - قال : فقال لي ابن عباس : أنا أحرك شفتي{[29547]} كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه . وقال لي سيعد : وأنا أحرك شفتي كما رأيت ابن عباس يحرك شفتيه - فأنزل الله عز وجل { لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } قال : جمعه في صدرك ، ثم تقرأه ، { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } فاستمع له وأنصت ، { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } فكان بعد ذلك إذا انطلق جبريل قرأه كما أقرأه . {[29548]}

وقد رواه البخاري ومسلم ، من غير وجه ، عن موسى بن أبي عائشة ، به{[29549]} ولفظ البخاري : فكان إذا أتاه جبريل أطرق ، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل{[29550]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو يحيى التيمي ، حدثنا موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي يلقى منه شدة ، وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه ، يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره ، فأنزل الله : { لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }

وهكذا قال الشعبي ، والحسن البصري ، وقتادة ، ومجاهد ، والضحاك ، وغير واحد : إن هذه الآية نزلت في ذلك .

وقد روى ابن جرير من طريق العوفي ، عن ابن عباس : { لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } قال : كان لا يفتر من القراءة مخافة أن ينساه ، فقال الله : { لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا } أن نجمعه لك { وَقُرْآنَهُ } أن نقرئك فلا تنسى .

وقال ابن عباس وعطية العوفي : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } تبيين حلاله وحرامه . وكذا قال قتادة .


[29547]:- (2) في أ: "أنا أحركهما".
[29548]:- (1) المسند (1/343).
[29549]:- (2) صحيح البخاري برقم (4927، 4928)، وصحيح مسلم برقم (448).
[29550]:- (3) صحيح البخاري برقم (4929).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ} (19)

وقوله تعالى : { ثم إن علينا بيانه } ، قال قتادة وجماعة معه : معناه أن نبينه لك ونحفظكه ، وقال كثير من المتأولين معناه أن تبينه أنت ، وقال قتادة أيضاً وغيره معناه أن نبين حلاله وحرامه ومجمله ومفسره .