اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ} (19)

قوله : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أي : تفسير ما فيه من الحدود والحلال والحرام . قاله قتادة . وقيل : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } ما فيه من الوعد والوعيد .

وقيل : إنَّ علينا أن نبينه بلسانك . والضمائر تعود على القرآن ، وإن لم يجر له ذكر .

وقوله : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } يدل على أنَّ بيان المجمل واجب على الله - تعالى - أما عند أهل السُّنة فبالوعد والتفضل ، وإما عند المعتزلة فبالحكمة . والله أعلم .

فصل في الرد على من جوّز تأخير البيان عن وقت الخطاب

احتج من جوز تأخير البيان عن وقت الخطاب بهذه الآية .

وأجاب أبو الحسين عند بوجهين :

الأول : أن ظاهر الآية يقتضي وجوب تأخير البيان عن وقت الخطاب ، وأنتم لا تقولون به .

الثاني : أن عندنا الواجب أن يقرن باللفظ إشعاراً بأنه ليس المراد في اللفظ ما يقتضيه ظاهره . فأما البيان التفصيلي فيجوز تأخيره فتحمل الآية على تأخير البيان التفصيلي .

وذكر القفال وجها ثالثاً ، وهو قوله تعالى : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } ثم إنا نخبرك بأن علينا بيانه فيحمل على الترتيب ، ونظيره قوله تعالى : { فَكُّ رَقَبَةٍ } إلى قوله { ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ } [ البلد :13- 17 ] .

قال ابن الخطيب{[58693]} : والجواب عن الأول : أن اللفظ لا يقتضي وجوب تأخير البيان ، بل يقتضي تأخير وجوب البيان ، فيكون الجواب بالمنع لأن وجوب البيان لا يتحقق إلا عند الحاجة ، وعن الثاني : أنَّ كلمة «ثُمَّ » دخلت على مطلق البيان المجمل والمفصل ، فالتخصيص بأحدهما تحكم بغير دليل .

وجواب القفال : بأنه ترك للظاهر بغير دليل .

فصل فيمن جوز الذنوب على الأنبياء

أورد من جوّز الذنوب على الأنبياء ، بأن هذا الاستعجال إن كان بإذن ، فكيف نهي عنه وإن كان بغير إذن فهو ذنب .

قال ابن الخطيب{[58694]} : والجواب : لعله كان مأذوناً فيه إلى وقت النهي .


[58693]:ينظر: الفخر الرازي 30/199.
[58694]:السابق 30/197.