{ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } فمن شهادته لرسوله ما أيده به من المعجزات ، وما أنزل عليه من الآيات ، ونصره على من عاداه وناوأه .
فلو تقول عليه بعض الأقاويل ، لأخذ منه باليمين ، ثم لقطع منه الوتين ، فإنه خبير بصير ، لا تخفى عليه من أحوال العباد خافية .
يقول تعالى مرشدًا نبيه إلى الحجة على قومه ، في صدق ما جاءهم به : أنه شاهد عليّ وعليكم ، عالم بما جئتكم به ، فلو كنت كاذبًا [ عليه ]{[17852]} انتقم مني أشد الانتقام ، كما قال تعالى : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } [ الحاقة : 44 - 46 ] .
وقوله : { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } أي : عليم بهم بمن يستحق الإنعام والإحسان والهداية ، ممن يستحق الشقاء والإضلال{[17853]} والإزاغة . ولهذا قال : { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } .
{ قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم } على أني رسول الله السكم بإظهاره المعجزة على وفق دعواي ، أو على أني بلغت ما أرسلت به إليكم وأنكم عاندتهم وشهيدا نصب على الحال أو التمييز . { إنه كان بعباده خبيرا بصيرا } يعلم أحوالهم الباطنة منها والظاهرة فيجازيهم عليها ، وفيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد للكفار .
بعد أن خص الله محمداً صلى الله عليه وسلم بتلقين الحجة القاطعة للضلالة أردف ذلك بتلقينه أيضاً ما لقنه الرسل السابقين من تفويض الأمر إلى الله وتحكيمه في أعدائه ، فأمره ب { قل كفى بالله } تسلية له وتثبيتاً لنفسه وتعهداً له بالفصل بينه وبينهم كما قال نوح وهود { رب انصرني بما كذبون } [ المؤمنون : 26 ] ، وغيرهما من الرسل قال قريباً من ذلك .
وفي هذا رد لمجموع مقترحاتهم المتقدمة على وجه الإجمال .
ومفعول { كفى } محذوف ، تقديره : كفاني . والشهيد : الشاهد ، وهو المخبر بالأمر الواقع كما وقع .
وأريد بالشهيد هنا الشهيد للمُحق على المبطل ، فهو كناية عن النصير والحاكم لأن الشهادة سبب الحكم ، والقرينَةُ قوله : { بيني وبينكم } لأن ظرف ( بين ) يناسب معنى الحُكم . وهذا بمعنى قوله تعالى : { حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين } [ الأعراف : 87 ] وقوله : { يوم القيامة يفصل بينكم } [ الممتحنة : 3 ] .
والباء الداخلة على اسم الجلالة زائدة لتأكيد لصوق فعل { كفى } بفاعله . وأصله : كفى الله شهيداً .
وجملة { إنه كان بعباده خبيرا بصيراً } تعليل للاكتفاء به تعالى ، والخبير : العليم . وأريد به العليم بالنوايا والحقائق ، والبصير : العليم بالذوات والمشاهداتتِ من أحوالها . ، والمقصود من اتباعه به إحاطةُ العلم وشموله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.