تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَحۡلِفُونَ لَكُمۡ لِتَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡۖ فَإِن تَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَرۡضَىٰ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (96)

وقوله : { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ْ } أي : ولهم أيضا هذا المقصد الآخر منكم ، غير مجرد الإعراض ، بل يحبون أن ترضوا عنهم ، كأنهم ما فعلوا شيئا .

{ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ْ } أي : فلا ينبغي لكم -أيها المؤمنون- أن ترضوا عن من لم يرض اللّه عنه ، بل عليكم أن توافقوا ربكم في رضاه وغضبه .

وتأمل كيف قال : { فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ْ } ولم يقل : " فإن اللّه لا يرضى عنهم " ليدل ذلك على أن باب التوبة مفتوح ، وأنهم مهما تابوا هم أو غيرهم ، فإن اللّه

يتوب عليهم ، ويرضى عنهم .

وأما ما داموا فاسقين ، فإن اللّه لا يرضى عليهم ، لوجود المانع من رضاه ، وهو خروجهم عن ما رضيه اللّه لهم من الإيمان والطاعة ، إلى ما يغضبه من الشرك ، والنفاق ، والمعاصي .

وحاصل ما ذكره اللّه أن المنافقين المتخلفين عن الجهاد من غير عذر ، إذا اعتذروا للمؤمنين ، وزعموا أن لهم أعذارا في تخلفهم ، فإن المنافقين يريدون بذلك أن تعرضوا عنهم ، وترضوا وتقبلوا عذرهم ، فأما قبول العذر منهم والرضا عنهم ، فلا حبا ولا كرامة لهم .

وأما الإعراض عنهم ، فيعرض المؤمنون عنهم ، إعراضهم عن الأمور الردية والرجس ، وفي هذه الآيات ، إثبات الكلام للّه تعالى في قوله : { قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } وإثبات الأفعال الاختيارية للّه ، الواقعة بمشيئته [ تعالى ] وقدرته في هذا ، وفي قوله : { وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } أخبر أنه سيراه بعد وقوعه ، وفيها إثبات الرضا للّه عن المحسنين ، والغضب والسخط على الفاسقين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَحۡلِفُونَ لَكُمۡ لِتَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡۖ فَإِن تَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَرۡضَىٰ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (96)

وأخبر أنهم وإن رضوا عنهم بحلفهم{[13790]} لهم ، { فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } أي : الخارجين عن طاعته وطاعة رسوله ، فإن الفسق هو الخروج ، ومنه سميت الفأرة " فُوَيسقة " لخروجها من جُحرها للإفساد ، ويقال : " فسقت الرطبة " : إذا خرجت من أكمامها{[13791]}


[13790]:- في أ : "بحلفانهم".
[13791]:- في ت : "كمامها".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَحۡلِفُونَ لَكُمۡ لِتَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡۖ فَإِن تَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَرۡضَىٰ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (96)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يَرْضَىَ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } .

يقول تعالى ذكره : يَحْلِفُ لَكُمْ أيها المؤمنون بالله هؤلاء المنافقون اعتذارا بالباطل والكذب لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فإنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فإنّ اللّهَ لا يَرْضَى عَنِ القَوْمِ الفاسِقِينَ يقول : فإن أنتم أيها المؤمنون رضيتم عنهم وقبلتم معذرتهم ، إذا كنتم لا تعلمون صدقهم من كذبهم ، فإن رضاكم عنهم غير نافعهم عند الله لأن الله يعلم من سرائر أمرهم ما لا تعلمون ، ومن خفيّ اعتقادهم ما تجهلون ، وأنهم على الكفر بالله ، يعني أنهم الخارجون من الإيمان إلى الكفر بالله ومن الطاعة إلى المعصية .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَحۡلِفُونَ لَكُمۡ لِتَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡۖ فَإِن تَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَرۡضَىٰ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (96)

هذه الجملة بدل اشتمال من جملة : { سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم } [ التوبة : 95 ] لأنهم إذا حلفوا لأجل أن يعرض عنهم المسلمون فلا يلوموهم ، فإن ذلك يتضمن طلبهم رضى المسلمين .

وقد فرّع الله على ذلك أنه إن رضي المسلمون عنهم وأعرضوا عن لومهم فإن الله لا يرضى عن المنافقين . وهذا تحذير للمسلمين من الرضى عن المنافقين بطريق الكناية إذ قد علم المسلمون أن ما لا يُرضي الله لا يكون للمسلمين أن يرضوا به .

والقوم الفاسقون هم هؤلاء المنافقون . والعدول عن الإتيان بضمير ( هم ) إلى التعبير بصفتهم للدلالة على ذمهم وتعليل عدم الرضى عنهم ، فالكلام مشتمل على خبر وعلى دليله فأفاد مفاد كلامين لأنه ينحلّ إلى : فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عنهم لأن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين .