تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورٗا مُّبِينٗا} (174)

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا }

يمتن تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة والأنوار الساطعة ، ويقيم عليهم الحجة ، ويوضح لهم المحجة ، فقال : { يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِن رَّبِّكُمْ } أي : حجج قاطعة على الحق تبينه وتوضحه ، وتبين ضده .

وهذا يشمل الأدلة العقلية والنقلية ، الآيات الأفقية والنفسية { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ }

وفي قوله : { مِن رَّبِّكُمْ } ما يدل على شرف هذا البرهان وعظمته ، حيث كان من ربكم الذي رباكم التربية الدينية والدنيوية ، فمن تربيته لكم التي يحمد عليها ويشكر ، أن أوصل إليكم البينات ، ليهديكم بها إلى الصراط المستقيم ، والوصول إلى جنات النعيم .

{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا } وهو هذا القرآن العظيم ، الذي قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين والأخبار الصادقة النافعة ، والأمر بكل عدل وإحسان وخير ، والنهي عن كل ظلم وشر ، فالناس في ظلمة إن لم يستضيئوا بأنواره ، وفي شقاء عظيم إن لم يقتبسوا من خيره .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورٗا مُّبِينٗا} (174)

يقول تعالى مخاطبًا جميع الناس ومخبرا{[8784]} بأنه قد جاءهم منه برهان عظيم ، وهو الدليل القاطع للعُذْر ، والحجة المزيلة للشبهة ؛ ولهذا قال : { وَأَنزلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } أي : ضياء واضحا على الحق ، قال ابن جُرَيج{[8785]} وغيره : وهو القرآن .


[8784]:في ر، أ: "ومخبرا لهم".
[8785]:في أ: "جرير".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورٗا مُّبِينٗا} (174)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَا أَيّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مّن رّبّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مّبِيناً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : يا أيّها النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبّكُمْ : يا أيها الناس من جميع أصناف الملل ، يهودها ونصاراها ومشركيها ، الذين قصّ الله جلّ ثناؤه قصصهم في هذه السورة قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبّكُمْ يقول : قد جاءتكم حجة من الله تبرهن لكم بطول ما أنتم عليه مقيمون من أديانكم ومللكم ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي جعله الله عليكم حجة قطع بها عذركم ، وأبلغ إليكم في المعذرة بإرساله إليكم ، مع تعريفه إياكم صحة نبوّته وتحقيق رسالته . وأنْزَلْنا إلَيْكُمْ نُورا مُبِينا يقول : وأنزلنا إليكم معه نورا مبينا ، يعني : يبين لكم المحجّة الواضحة والسبل الهادية إلى ما فيه لكم النجاة من عذاب الله وأليم عقابه إن سلكتموها واستنرتم بضوئه . وذلك النور المبين هو القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : بُرْهانٌ مِنْ رَبّكُمْ قال : حجة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبّكُمْ : أي بينة من ربكم ، وأنْزَلْنا إلَيْكُمْ نُورا مُبِينا ، وهو هذا القرآن .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنَ رَبّكُمْ يقول : حجة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : برهان ، قال : ببينة وأنْزَلْنا إلَيْكُمْ نُورا مُبِينا قال : القرآن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورٗا مُّبِينٗا} (174)

وقوله تعالى : { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم } الآية إشارة إلى محمد رسول الله ، و «البرهان » : الحجة النيرة الواضحة التي تعطي اليقين التام ، والمعنى : قد جاءكم مقترناً بمحمد برهان من الله تعالى على صحة ما يدعوكم إليه وفساد ما أنتم عليه من النحل ، وقوله تعالى : { وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً } يعني القرآن فيه بيان لكل شيء ، وهو الواعظ الزاجر ، الناهي الآمر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورٗا مُّبِينٗا} (174)

فذلكة للكلام السابق بما هو جامع للأخذ بالهدى ونبذ الضلال ، بما اشتمل عليه القرآن من دلائل الحقّ وكبح الباطل . فالجملة استئناف وإقبال على خطاب النّاس كلّهم بعد أن كان الخطاب موجّهاً إلى أهل الكتاب خاصّة . والبرهان : الحجّة ، وقد يخصّص بالحجّة الواضحة الفاصلة ، وهو غالب ما يقصد به في القرآن ، ولهذا سمّى حكماء الإسلام أجَلّ أنواع الدليل ، بُرهاناً .

والمراد هنا دلائل النبوءة . وأمّا النور المبين فهو القرآن لقوله : { وأنزلنا } والقول في { جاءكم } كالقولِ في نظيره المتقدّم في قوله : { قد جاءكم الرّسول بالحقّ من ربّكم } [ النساء : 170 ] ؛ وكذلك القول في { أنزلنا إليكم } .