تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (16)

فإثباته ونفيه ، من باب تعليم الله بما في القلب ، وهذا سوء أدب ، وظن بالله ، ولهذا قال : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وهذا شامل للأشياء كلها ، التي من جملتها ، ما في القلوب من الإيمان والكفران ، والبر والفجور ، فإنه تعالى ، يعلم ذلك كله ، ويجازي عليه ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًا فشر .

هذه حالة من أحوال من ادعى لنفسه الإيمان ، وليس به ، فإنه إما أن يكون ذلك تعليمًا لله ، وقد علم أنه عالم بكل شيء ، وإما أن يكون قصدهم بهذا الكلام ، المنة على رسوله ، وأنهم قد بذلوا له [ وتبرعوا ] بما ليس من مصالحهم ، بل هو من حظوظه الدنيوية ، وهذا تجمل بما لا يجمل ، وفخر بما لا ينبغي لهم أن يفتخروا على رسوله به{[807]}  فإن المنة لله تعالى عليهم .


[807]:- في ب: لا ينبغي لهم الفخر به على رسوله.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (16)

وقوله : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ } أي : أتخبرونه {[27239]} بما في ضمائركم ، { وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ } أي : لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .


[27239]:- (7) في ت: "أتخبرون".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (16)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَتُعَلّمُونَ اللّهَ بِدِينِكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء الأعراب القائلين آمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم : أتُعَلّمُونَ اللّهَ أيها القوم بدينكم ، يعني بطاعتكم ربكم وَاللّهُ يَعْلَمُ ما في السّمَوَاتِ ومَا فِي الأرْضِ يقول : والله الذي تعلّمونه أنكم مؤمنون ، عَلاّم جميع ما في السموات السبع والأرضين السبع ، لا يخفى عليه منه شيء ، فكيف تعلمونه بدينكم ، والذي أنتم عليه من الإيمان ، وهو لا يخفى عليه خافية ، في سماء ولا أرض ، فيخفى عليه ما أنتم عليه من الدين وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يقول : والله بكلّ ما كان ، وما هو كائن ، وبما يكون ذو علم . وإنما هذا تقدّم من الله إلى هؤلاء الأعراب بالنهي ، عن أن يكذّبوا ويقولوا غير الذي هم عليه في دينهم . يقول : الله محيط بكلّ شيء عالم به ، فاحذروا أن تقولوا خلاف ما يعلم من ضمائر صدوركم ، فينالكم عقوبته ، فإنه لا يخفى عليه شيء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (16)

ثم أمره تعالى بتوبيخهم بقوله : { قل أتعلمون الله بدينكم } ، أي بقولكم : { آمنا } [ الحجرات : 14 ] وهو يعلم منكم خلاف ذلك ، لأنه العليم بكل شيء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (16)

أعيد فعل { قل } ليدل على أن المقول لهم هذا هم الأعراب الذين أمر أن يقول لهم { لم تؤمنوا } إلى آخره ، فأعيد لَمَّا طال الفصل بين القولين بالجمل المتتابعة ، فهذا متصل بقوله : { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } اتصالَ البيان بالمبين ، ولذلك لم تعطف جملة الاستفهام .

وجملة { قل } معترضة بين الجملتين المبيِّنة والمبَّينة .

قيل : إنهم لمَّا سمعوا قوله تعالى : { قل لم تؤمنوا } الآية جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحلَفوا أنهم مؤمنون فنزل قوله : « قل أتعلمون الله بدينكم ولم يرو بسند معروف وإنما ذكره البغوي تفسيراً ولو كان كذلك لوبَّخهم الله على الأيمان الكاذبة كما وبَّخ المنافقين في سورة براءة ( 42 ) بقوله { وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يُهلكون أنفسهم } الآية . ولم أر ذلك بسند مقبول ، فهذه الآية مما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقوله لهم .

والتعليم مبالغة في إيصال العلم إلى المعلَّم لأن صيغة التفعيل تقتضي قوة في حصول الفعل كالتفريق والتفسير ، يقال : أعْلَمَهُ وعلّمه كما يقال : أنباه ونَبَّأه . وهذا يفيد أنهم تكلفوا وتعسفوا في الاستدلال على خلوص إيمانهم ليقنعوا به الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أبلغهم أن الله نفى عنهم رسوخ الإيمان بمحاولة إقناعه تدل إلى محاولة إقناع الله بما يعلم خلافه .

وباء { بدينكم } زائدة لتأكيد لصوق الفعل بمفعوله كقوله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } وقول النابغة :

لك الخيران وارتْ بك الأرض واحداً

والاستفهام في { أتعلمون الله بدينكم } مستعمل في التوبيخ وقد أيد التوبيخ بجملة الحال في قوله : { والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض } .

وفي هذا تجهيل إذ حاولوا إخفاء باطنهم عن المطّلع على كل شيء .

وجملة { والله بكل شيء عليم } تذييل لأن { كل شيء } أعم من { ما في السماوات وما في الأرض } فإن الله يعلم صفاته ويعلم الموجودات التي هي أعلى من السماوات كالعرش .