تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَسِحۡرٌ هَٰذَآ أَمۡ أَنتُمۡ لَا تُبۡصِرُونَ} (15)

{ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ } يحتمل أن الإشارة إلى النار والعذاب ، كما يدل عليه سياق الآية أي : لما رأوا النار والعذاب قيل لهم من باب التقريع : { أهذا سحر لا حقيقة له ، فقد رأيتموه ، أم أنتم في الدنيا لا تبصرون } أي : لا بصيرة لكم ولا علم عندكم ، بل كنتم جاهلين بهذا الأمر ، لم تقم عليكم الحجة ؟ والجواب انتفاء الأمرين :

أما كونه سحرا ، فقد ظهر لهم أنه أحق الحق ، وأصدق الصدق ، المخالف{[871]}  للسحر من جميع الوجوه ، وأما كونهم لا يبصرون ، فإن الأمر بخلاف ذلك ، بل حجة الله قد قامت عليهم ، ودعتهم الرسل إلى الإيمان بذلك ، وأقامت من الأدلة والبراهين على ذلك ، ما يجعله من أعظم الأمور المبرهنة الواضحة الجلية .

ويحتمل أن الإشارة [ بقوله : { أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ } ] إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الحق المبين ، والصراط المستقيم أي : هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم سحر أم عدم بصيرة بكم ، حتى اشتبه عليكم الأمر ، وحقيقة الأمر أنه أوضح من كل شيء وأحق الحق ، وأن حجة الله قامت عليهم{[872]}


[871]:- في ب: المنافي.
[872]:- بعد قوله والصراط المستقيم جاءت العبارة في ب مختلفة عما في أ، وهذا نص ما في: ب: أي: (أفيتصور من له عقل أن يقول عنه: إنه سحر، وهو أعظم الحق وأجله، ولكن لعدم بصيرتهم قالوا فيه ما قالوا).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَفَسِحۡرٌ هَٰذَآ أَمۡ أَنتُمۡ لَا تُبۡصِرُونَ} (15)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أفسحر هذا} العذاب الذي ترون، فإنكم زعمتم في الدنيا أن الرسل سحرة {أم أنتم لا تبصرون} فلما ألقوا في النار...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عما يقول لهؤلاء المكذّبين الذين وصف صفتهم إذا وردوا جهنم يوم القيامة: أفسحر أيها القوم هذا الذي وردتموه الآن أم أنتم لا تعاينونه ولا تبصرونه؟ وقيل هذا لهم توبيخا لا استفهاما.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{أفسِحرٌ هذا أم أنتم لا تُبصرون} يقال لهم في الآخرة لما يُلقون في النار: {أفسحرٌ هذا} مقابل ما قالوا هم للحُجج والبراهين في الدنيا: إنها سحر.

وقوله تعالى: {أم أنتم لا تبصرون} يخرّج على وجهين:

أحدهما: يقال لهم لما يُدخلون النار: لعل ما أنتم فيه، ليس بعذاب، وإنها ليست بنار، وأنتم لا تُبصرون ذلك، كما أخبر عنهم في الدنيا أنهم يقولون عن حُججه حين قال: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلّوا فيه يعرُجون} {لقالوا إنما سُكّرت أبصارنا} الآية [الحجر: 14 و15] فقال مقابل ذلك: {أفسحر هذا أم أنتم لا تُبصرون} أي لعلكم لا تُبصرون.

والثاني: يقول: {أفسحر هذا أم أنتم لا تُبصرون} أن هذا ينزل بكم في الآخرة، والله أعلم...

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

{أفسحر هذا} الذي ترون {أم أنتم لا تبصرون} وهذا توبيخ لهم والمعنى أتصدقون الآن عذاب الله...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

لما قيل لهم هذه النار، وقفوا بعد ذلك على الجهتين التي يمكن منها دخول الشك في أنها النار، وهي إما أن يكون ثم سحر يلبس ذات المرء، وإما أن يكون في بصر النظر اختلال، وأمرهم بصليها على جهة التقريع.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون} تحقيقا للأمر، وذلك لأن من يرى شيئا ولا يكون الأمر على ما يراه، فذلك الخطأ يكون لأجل أحد أمرين إما لأمر عائد إلى المرئي وإما لأمر عائد إلى الرائي فقوله {أفسحر هذا} أي هل في المرئي شك أم هل في بصركم خلل؟ استفهام إنكار، أي لا واحد منها ثابت، فالذي ترونه حق وقد كنتم تقولون إنه ليس بحق، وإنما قال: {أفسحر} وذلك أنهم كانوا ينسبون المرئيات إلى السحر فكانوا يقولون بأن انشقاق القمر وأمثاله سحر وفي ذلك اليوم لما تعلق بهم مع البصر الألم المدرك بحس اللمس وبلغ الإيلام الغاية لم يمكنهم أن يقولوا هذا سحر، وإلا لما صح منهم طلب الخلاص من النار...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} يحتمل أن الإشارة إلى النار والعذاب، كما يدل عليه سياق الآية أي: لما رأوا النار والعذاب قيل لهم من باب التقريع: {أهذا سحر لا حقيقة له، فقد رأيتموه، أم أنتم في الدنيا لا تبصرون} أي: لا بصيرة لكم ولا علم عندكم، بل كنتم جاهلين بهذا الأمر، لم تقم عليكم الحجة؟ والجواب انتفاء الأمرين: أما كونه سحرا، فقد ظهر لهم أنه أحق الحق، وأصدق الصدق، المخالف للسحر من جميع الوجوه، وأما كونهم لا يبصرون، فإن الأمر بخلاف ذلك، بل حجة الله قد قامت عليهم، ودعتهم الرسل إلى الإيمان بذلك، وأقامت من الأدلة والبراهين على ذلك، ما يجعله من أعظم الأمور المبرهنة الواضحة الجلية. ويحتمل أن الإشارة بقوله: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الحق المبين، والصراط المستقيم أي: هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم سحر أم عدم بصيرة بكم، حتى اشتبه عليكم الأمر، وحقيقة الأمر أنه أوضح من كل شيء وأحق الحق، وأن حجة الله قامت عليهم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والتقدير: بل أأنتم لا تبصرون. ومعنى {لا تبصرون}: لا تبصرون المرئيات كما هي في الواقع فلعلكم تزعمون أنكم لا ترون ناراً كما كنتم في الدنيا تقولون: {بيننا وبينك حجاب} [فصلت: 5] أي فلا نراك، وتقولون {إنما سكرت أبصارنا} [الحجر: 15]. وجيء بالمسند إليه مخبراً عنه بخبر فعلي منفي لإِفادة تقوّي الحكم، فلذلك لم يقل: أم لا تبصرون، لأنه لا يفيد تقوياً، ولا: أم لا تبصرون أنتم، لأن مجيء الضمير المنفصل بعد الضمير المتصل يفيد تقرير المسند إليه المحكوم عليه بخلاف تقديم المسند إليه فإنه يفيد تأكيد الحكم وتقويته وهو أشد توكيداً، وكل ذلك في طريقة التهكم...