تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (32)

{ فَذَلِكُمُ ْ } الذي وصف نفسه بما وصفها به { اللَّهُ رَبُّكُمْ ْ } أي : المألوه المعبود المحمود ، المربي جميع الخلق بالنعم وهو : { الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ْ }

فإنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير لجميع الأشياء ، الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه ، ولا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يدفع السيئات إلا هو ، ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العظيمة والجلال والإكرام .

{ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ْ } عن عبادة من هذا وصفه ، إلى عبادة الذي ليس له من وجوده إلا العدم ، ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا .

فليس له من الملك مثقال ذرة ، ولا شركة له بوجه من الوجوه ، ولا يشفع عند الله إلا بإذنه ، فتبا لمن أشرك به ، وويحًا لمن كفر به ، لقد عدموا عقولهم ، بعد أن عدموا أديانهم ، بل فقدوا دنياهم وأخراهم . ولهذا قال تعالى عنهم : { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (32)

26

( فذلكم الله ربكم الحق ) . .

والحق واحد لا يتعدد ، ومن تجاوزه فقد وقع على الباطل ، وقد ضل التقدير :

( فماذا بعد الحق إلا الضلال ? فأنى تصرفون ) . .

وكيف توجهون بعيدا عن الحق وهو واضح بين تراه العيون ?

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (32)

وقوله تعالى { فذلكم الله ربكم } الآية ، يقول : فهذا الذي هذه صفاته { ربكم الحق } أي المستوجب للعبادة والألوهية ، وإذا كان ذلك فتشريك غيره ضلال وغير حق ، وعبارة القرآن في سوق هذه المعاني تفوت كل تفسير براعة وإيجازاً وإيضاحاً ، وحكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق والضلال منزلة ثالثة في هذه المسألة التي هي توحيد الله وكذلك هو الأمر في نظائرها ، وهي مسائل الأصول التي الحق فيها في طرف واحد ، لأن الكلام فيها إنما هو في تقرير وجود ذات كيف وهي ، وذلك بخلاف مسائل الفروع التي قال الله تعالى فيها { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً }{[6099]} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات »{[6100]} ، و «{ الحق } في هذه في الطرفين لأن المتعبدين إنما طلبوا بالاجتهاد لا بعين في كل نازلة ويدلك على أن » الحق «في الطرفين اختلاف الشرائع بتحليل وتحريم في شيء واحد ، والكلام في مسائل الفروع إنما هو في أحكام طارئة على وجود ذات متقررة لا يختلف فيها وإنما يختلف في الأحكام المتعلقة بالمتشرع{[6101]} ، وقوله : { فأنى تصرفون } تقرير{[6102]} كما قال { فأين تذهبون }{[6103]} .


[6099]:- من الآية (48) من سورة (المائدة).
[6100]:- رواه البخاري في الإيمان والبيوع، ومسلم في المساقاة، وأبو داود في البيوع وكذلك الترمذي والنسائي، وابن ماجه في الفتن، والدارمي في البيوع، والإمام أحمد في مواطن كثيرة من مسنده، ولفظه كما في البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أو شك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه).
[6101]:- ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل قال: (اللهم لك الحمد) الحديث، وفيه: (أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، والجنة حق، ولقاؤك حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق. ومحمد حق). سبحانه وتعالى هو الواجب الوجود.
[6102]:- يمكن أن يكون الاستفهام إنكاريا كما قال الألوسي بمعنى إنكار الواقع والتعجب منه بالنظر للمخلوقين.
[6103]:-الآية (26) من سورة (الكوثر).