تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ} (45)

{ 45 - 47 ْ } { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ْ }

هذا تخويف من الله تعالى لأهل الكفر والتكذيب وأنواع المعاصي ، من أن يأخذهم بالعذاب على غرَّة وهم لا يشعرون ، إما أن يأخذهم العذاب من فوقهم ، أو من أسفل منهم بالخسف وغيره ، وإما في حال تقلُّبهم وشغلهم وعدم خطور العذاب ببالهم ، وإما في حال تخوفهم من العذاب ، فليسوا بمعجزين لله في حالة من هذه الأحوال ، بل هم تحت قبضته ونواصيهم بيده . ولكنه رءوف رحيم لا يعاجل العاصين بالعقوبة ، بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم وهم يؤذونه ويؤذون أولياءه ، ومع هذا يفتح لهم{[460]}  أبواب التوبة ، ويدعوهم إلى الإقلاع من السيئات التي تضرهم ، ويعدهم بذلك أفضل الكرامات ، ومغفرة ما صدر منهم من الذنوب ، فليستح المجرم من ربه أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع اللحظات{[461]}  ومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات ، وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل وأنه إذا أخذ العاصي أخذه أخذ عزيز مقتدر ، فليتب إليه ، وليرجع في جميع أموره إليه فإنه رءوف رحيم . فالبدار البدار إلى رحمته الواسعة وبره العميم وسلوك الطرق الموصلة إلى فضل الرب الرحيم ، ألا وهي تقواه والعمل بما يحبه ويرضاه .


[460]:- كذا في ب، وفي أ: عليهم.
[461]:- في ب: الحالات.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ} (45)

22

ويختم هذا الدرس الذي بدأه بالإشارة إلى الذين يستكبرون ويمكرون . . ينتهي بلمسة وجدانية بعد لمسة :

أولاهما للتخويف من مكر الله الذي لا يأمنه أحد في ساعة من ليل أو نهار . والثانية لمشاركة هذا الوجود في عبادة الله وتسبيحه . فليس إلا الإنسان هو الذي يستكبر ويمكر . وكل ما حوله يحمد ويسبح .

( أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض ، أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ؟ أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين ؟ أو يأخذهم على تخوف ؟ فإن ربكم لرؤوف رحيم ) .

أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ؟ ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة ، والملائكة ، وهم لا يستكبرون ، يخافون ربهم من فوقهم ، ويفعلون ما يؤمرون . .

وأعجب العجب في البشر أن يد الله تعمل من حولهم ، وتأخذ بعضهم أخذ عزيز مقتدر ، فلا يغني عنهم مكرهم وتدبيرهم ، ولا تدفع عنهم قوتهم وعلمهم ومالهم . . وبعد ذلك يظل الذين يمكرون يمكرون ، ويظل الناجون آمنين لا يتوقعون أن يؤخذوا كما أخذ من قبلهم ومن حولهم ، ولا يخشون أن تمتد إليهم يد الله في صحوهم أو في منامهم ، في غفلتهم أو في استيقاظهم والقرآن الكريم يلمس وجدانهم من هذا الجانب ليثير حساسيتهم للخطر المتوقع ، الذي لايغفل عنه إلا الخاسرون :

( أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون )

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ} (45)

هذه الآية تهديد لأهل مكة ، وهم المراد ب { الذين } في قول الأكثر ، وقال مجاهد : المراد نمرود بن كنعان ، والأول أظهر ، ونصب { السيئات } يحتمل وجهين : أحدهما أن ينصب بقوله { أفأمن } وتكون { السيئات } على هذا العقوبات التي تسوء من تنزل به ، ويكون قوله { أن يخسف } بدلاً منها . والوجه الثاني أن ينصب ب { مكروا } ، وعدي { مكروا } لأنه بمعنى عملوا وفعلوا ، و { السيئات } على هذا معاصي الكفر وغيره ، قاله قتادة ، ثم توعدهم بما أصاب الأمم قبلهم من الخسف ، وهو أن تبتلع الأرض المخسوف به ويقعد به إلى أسفل وأسند النقاش ، أن قوماً في هذه الأمة ، أقيمت الصلاة فتدافعوا الإمامة وتصلفوا في ذلك{[7315]} فما زالوا كذلك حتى خسف بهم ، و { تقلبهم } سفرهم ومحاولتهم المعايش بالسفر والرعاية ونحوها ، و «المعجز » المفلت هرباً كأنه عجز طالبه .


[7315]:المراد أنهم وصلوا إلى درجة أبغض بعضهم فيها بعضا، يقال: صلف فلان: لم يحظ عند الناس وأبغضوه، وأصلفه الله: بغضه إلى الناس، ويقال: صلفه صلفا: أبغضه.