{ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ْ } أي : فهل ينتظر هؤلاء الذين لا يؤمنون بآيات الله ، بعد وضوحها ، { إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ْ } أي : من الهلاك والعقاب ، فإنهم صنعوا كصنيعهم وسنة الله جارية في الأولين والآخرين .
{ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ْ } فستعلمون من تكون له العاقبة الحسنة ، والنجاة في الدنيا والآخرة ، وليست إلا للرسل وأتباعهم . ولهذا قال : { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ْ }
ولكن أولئك المكذبين من الجاهليين العرب - وأمثالهم - لا يتدبرون ولا يستجيبون . . فماذا ينتظرون ?
إن سنة الله لا تتخلف ، وعاقبة المكذبين معروفة ، وليس لهم أن يتوقعوا من سنة الله أن تتخلف . وقد يُنظرهم الله فلا يأخذهم بعذاب الاستئصال ، ولكن الذين يصرون على التكذيب لا بد لهم من النكال :
( فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ? ) . . ( قل : فانتظروا إني معكم من المنتظرين ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال: {فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم} يعني قوم نوح، وعاد، وثمود، والقرون المعذبة،
{قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين} بكم العذاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم محذّرا مشركي قومه من حلول عاجل نقمة بساحتهم نحو الذي حلّ بنظرائهم من قبلهم من سائر الأمم الخالية من قبلهم السالكة في تكذيب رسل الله وجحود توحيد ربهم سبيلهم: فهل ينتظر يا محمد هؤلاء المشركون من قومك المكذّبون بما جئتهم به من عند الله، إلا يوما يعاينون فيه من عذاب الله مثل أيام أسلافهم الذي كانوا على مثل الذي هم عليه من الشرك والتكذيب، الذين مضوا قبلهم فخلَوْا من قوم نوح وعاد وثمود، قل لهم يا محمد: إن كانوا ذلك ينتظرون، فانتظروا عقاب الله إياكم ونزول سخطه بكم، إني من المنتظرين هلاككم وبواركم بالعقوبة التي تحل بكم من الله.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
خاطب الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) بلفظ الاستفهام والمراد به النفي، لأن تقديره: ليس ينتظر هؤلاء الكفار إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم. وإنما قابل بين الأيام المنتظرة والأيام الماضية في وقوع العذاب والحسرة حين لا تنفع الندامة. والانتظار هو: الثبات لموقع ما يكون من الحال... وقوله "قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين "أمر من الله لنبيه أن يقول لهم: انتظروا ما وعد الله به من العقاب فإني منتظر نزوله بكم مع جميع المنتظرين كما وعد الله به.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذا وعيد وحض على الإيمان، أي إذا لجوا في الكفر حل بهم العذاب، وإذا آمنوا نجوا، هذه سنة الله في الأمم الخالية، فهل عند هؤلاء غير ذلك. وهو استفهام بمعنى التوقيف، وفي قوله {قل فانتظروا} مهادنة ما.
واعلم أن المعنى هل ينتظرون إلا أياما مثل أيام الأمم الماضية، والمراد أن الأنبياء المتقدمين عليهم السلام كانوا يتوعدون كفار زمانهم بمجيء أيام مشتملة على أنواع العذاب، وهم كانوا يكذبون بها ويستعجلونها على سبيل السخرية، وكذلك الكفار الذين كانوا في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام هكذا كانوا يفعلون. ثم إنه تعالى أمره بأن يقول لهم: {فانتظروا إني معكم من المنتظرين}.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ} أي إذا كان الأمر كما قصصنا عليك أيها الرسول من سنتنا في الخلق، وما أرسلنا قبلك من الرسل، فهل ينتظر هؤلاء الكافرون من قومك إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم، أي وقائعهم مع رسلهم مما بلغهم مبدؤه وغايته، أي ما ثم شيء آخر ينتظر.
{قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} أي قل لهم منذرا ومهددا: إذا فانتظروا ما سيكون من عاقبتكم إني معكم من المنتظرين على بينة مما وعد الله وصدق وعده للمرسلين، وأن الذين يصرون على الجحود والعناد سيكونون كمعانديهم من الهالكين.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} فستعلمون من تكون له العاقبة الحسنة، والنجاة في الدنيا والآخرة، وليست إلا للرسل وأتباعهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إن سنة الله لا تتخلف، وعاقبة المكذبين معروفة، وليس لهم أن يتوقعوا من سنة الله أن تتخلف. وقد يُنظرهم الله فلا يأخذهم بعذاب الاستئصال، ولكن الذين يصرون على التكذيب لا بد لهم من النكال.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تفريع على جملة {ما تغني الآيات والنذر} باعتبار ما اشتملت عليه من ذكر النُذُر. فهي خطاب من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أي يتفرع على انتفاء انتفاعهم بالآيات والنذر وعلى إصْرارهم أنْ يُسأل عنهم: ماذا ينتظرون، ويجاب بأنهم ما ينتظرون إلا مِثل ما حلّ بمن قبلهم ممن سِيقت قصصهم في الآيات الماضية، ووقع الاستفهام ب {هل} لإفادتها تحقيق السؤال وهو باعتبار تحقيق المسؤول عنه وأنه جدير بالجواب بالتحْقيق.
والاستفهام مجاز تهكمي إنكاري، نزلوا منزلة من ينتظرون شيئاً يأتيهم ليؤمنوا، وليس ثمة شيء يصلح لأن ينتظروه إلا أن ينتظروا حلول مثل أيام الذين خلوا من قبلهم التي هلكوا فيها. وضمن الاستفهام معنى النفي بقرينة الاستثناء المفرَّغ. والتقدير: فهل ينتظرون شيئاً مَا ينتظرون إلاّ مثل أيام الذين خلوا من قبلهم. وأطلقت الأيام على ما يقع فيها من الأحداث العظيمة. ومن هذا إطلاق « أيام العرب» على الوقائع الواقعة فيها.
وجملة: {قل فانتظروا} مفرعة على جملة: {فهل ينتظرون}. وفصل بين المفرّع والمفرّع عليه ب {قُل} لزيادة الاهتمام ولينتقل من مخاطبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم قومه وبذلك يصير التفريع بين كلامين مختلفَي القائل شبيهاً بعطف التلقين الذي في قوله تعالى: {قال ومن ذريتي} [البقرة: 124]. على أن الاختلاف بين كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في مقام الوحي والتبليغ اختلاف ضعيف لأنهما آئلان إلى كلام واحد. وهذا موقع غريب لفاء التفريع.
وبهذا النسج حصل إيجاز بديع لأنه بالتفريع اعتبر ناشئاً عن كلام الله تعالى فكأنّ الله بلغه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلّغه قومه فليس له فيه إلاّ التبليغ، وهو يتضمن وعد الله نبيئه بأنه يرى ما ينتظرهم من العذاب، فهو وعيد وهو يتضمن النصر عليهم. وسيصرح بذلك في قوله: {ثم ننجي رسلنا}.
وجملة: {إني معكم من المنتظرين} استئناف بياني ناشئ عن جملة: {انتظروا} لأنها تثير سؤال سائل يقول: ها نحن أولاء ننتظر وأنت ماذا تفعل. وهذا مستعمل كناية عن ترقبه النصر إذ لا يظن به أنه ينتظر سوءاً فتعين أنه ينتظر من ذلك ضد ما يحصل لهم، فالمعية في أصل الانتظار لا في الحاصل بالانتظار. و (مع) حال مؤكدة. و {من المنتظرين} خبر (إنّ) ومفاده مفاد (مع) إذ ماصدق المنتظرين هم المخاطبون المنتظرون.