{ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } أي : يقال له هذا تقريعًا وتوبيخا ، { وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِِ } كقوله تعالى : { خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ . ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ . ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ . إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } [ الدخان : 47 - 50 ] .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن الصبّاح ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا هشام ، عن الحسن قال : بلغني أن أحدهم يُحرق في اليوم سبعين ألف مرة .
وقوله : ذَلكَ بِمَا قَدّمَتْ يَدَاكَ يقول جلّ ثناؤه : ويقال له إذا أذيق عذاب النار يوم القيامة : هذا العذاب الذي نذيقكه اليوم بما قدمت يداك في الدنيا من الذنوب والاَثام واكتسبته فيها من الإجرام . وإنّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ للْعَبِيدِ يقول : وفعلنا ذلك لأن الله ليس بظلام للعبيد فيعاقب بعض عبيده على جُرْم وهو يغفر مثله من آخر غيره ، أو يحمل ذنب مذنب على غير مذنب فيعاقبه به ويعفو عن صاحب الذنب ولكنه لا يعاقب أحدا إلا على جرمه ولا يعذب أحدا على ذنب يغفر مثله لاَخر إلا بسبب استحق به منه مغفرته .
وقوله تعالى : { ذلك بما قدمت يداك } بمعنى قال له ونسب التقديم إلى اليدين إذ هما آلتا الاكتساب واختلف في الوقف على قوله { يداك } فقيل لا يجوز لأن التقدير : وبأن الله أي { وأن الله } هو العدل فيك بجرائمك وقيل يجوز بمعنى والأمر أن الله تعالى { ليس بظلام } و «العبيد » هنا ذكروا في معنى مكسنتهم وقلة قدرتهم فلذلك جاءت هذه الصيغة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ذلك} العذاب {بما قدمت يداك} من الكفر والتكذيب {وأن الله ليس بظلام للعبيد}، فيعذب على غير ذنب...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
هذا العذاب الذي نذيقكه اليوم بما قدمت يداك في الدنيا من الذنوب والآثام واكتسبته فيها من الإجرام. "وإنّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ للْعَبِيدِ "يقول: وفعلنا ذلك لأن الله ليس بظلام للعبيد، فيعاقب بعض عبيده على جُرْم وهو يغفر مثله من آخر غيره، أو يحمل ذنب مذنب على غير مذنب فيعاقبه به ويعفو عن صاحب الذنب، ولكنه لا يعاقب أحدا إلا على جرمه، ولا يعذب أحدا على ذنب يغفر مثله لآخر إلا بسبب استحق به منه مغفرته...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ومعناه: إن ما يفعل بالظالم نفسه من عذاب الحريق جزاء على ما كسبت يداه، فذكر اليدين مبالغة في إضافة الجرم إليه...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... والسبب فيما مني به من خزي الدنيا وعذاب الآخرة: هو ما قدمت يداه، وعدل الله في معاقبته الفجار وإثابته الصالحين.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ذلك بما قدمت يداك}... ونسب التقديم إلى اليدين إذ هما آلتا الاكتساب... و «العبيد» هنا ذكروا في معنى مكسنتهم وقلة قدرتهم فلذلك جاءت هذه الصيغة.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} أي: يقال له هذا تقريعًا وتوبيخا، {وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ}...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
جرت عادة العرب أن تضيف الأعمال إلى اليد لأنها آلة أكثر العمل، وإضافة ما يؤدي إليهما أنكأ {وأن} أي وبسبب أن {الله} أي الذي له الكمال كله {ليس بظلام} أي بذي ظلم ما {للعبيد} ولو ترككم بغير ذلك لكان في مجاري عاداتكم ظلماً أولاً بتسوية المحسن بالمسيء، وثانياً بترك الانتصار للذين عادوك فيه وأذيتهم من أجله..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
و {قدّمتْ} بمعنى: أسلفت، جعل كفره كالشيء الذي بعث به إلى دار الجزاء قبل أن يصِل هو إليها فوجده يوم القيامة حاضراً ينتظره، قال تعالى: {ووجدوا ما عملوا حاضراً} [الكهف: 49]. أي ذلك العذاب مسبب لهذين الأمرين فصاحبه حقيق به لأنه جزاء فساده؛ ولأنه أثر عدل الله تعالى وأنه لم يظلمه فيما أذاقه. وصيغة المبالغة تقتضي بظاهرها نفي الظلم الشديد، والمقصود أن الظلم من حيث هو ظلم أمر شديد فصيغت له زنة المبالغة، وكذلك التزمت في ذكره حيثما وقع في القرآن.
... {وأن الله ليس بظلام للعبيد} ظلام: صيغة مبالغة من الظلم، والمبالغة في الفعل قد تكون في الفعل نفسه أو في تكراره
وصيغة المبالغة لها معنى في الإثبات ولها معنى في النفي وهنا نقول: هناك آيات أخرى تنفي الفعل، كما في قوله تعالى: {ولا يظلم ربك أحدا (49)} [الكهف]، وقوله تعالى: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين (76)} [الزخرف].كما أن صيغة المبالغة هنا جاءت مضافة للعبيد، فعلى فرض المبالغة تكون مبالغة في تكرار الحدث {بظلام للعبيد} ظلم هذا، وظلم هذا، وظلم هذا، فالمظلوم عبيد، وليس عبدا واحدا. فالحق سبحانه ليس بظلام للعبيد، لأنه بين الحلال والحرام، وبين الجريمة ووضع لها العقوبة، وقد بلغت الرسل من بداية الأمر فلا حجة لأحد.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} ذلك هو الخطاب الحاسم الذي يواجه به عندما يستنكر أو يحتج أو يتساءل، فقد قدّمت يداك وأنت في الدنيا كل هذا النتاج الضخم من الأعمال الشريرة القائمة على الكفر والضلال، دون ركيزة من علم، ودون قاعدةٍ من إيمان، فهل هناك أيّ ظلم في ما تلقاه الآن من عذاب؟! فعذاباتك نتيجة طبيعية لأعمالك، وقد أنذرك الله وحذّرك من كل ما تتعرض له الآن.
{وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِّلعَبِيدِ} ولكن الناس يظلمون أنفسهم بالكفر والمعصية والضلال الشديد. وهذا النموذج الذي تقدمه الآية يمكن معاينته في الواقع في صورة الذين ينطلقون مع انتماءات الكفر والباطل ويتحملون مسؤولية الدعوة إلى الأفكار الضالة التي تمثلها تلك الانتماءات، في مجال العقيدة والشريعة والمنهج والحياة، فيحفظون شيئاً مما يلقى إليهم، ويختزنون ملاحظات سريعة، ويشكلون أفكاراً سطحية ينطلقون بها إلى الناس، مستغلين بعض الأوضاع القلقة، والزخارف الزاهية، والمواقف المثيرة، ليضلوهم بالشبهة والوهم والخيال، وليحاصروهم بالمشاكل المتحركة في كل موقع من حياتهم التي توحي لهم بألف موقف ضلال...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.