{ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ْ } أي : بسبب إصرارك على الكفر ، وتماديك في الطغيان { فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ْ } أي : في الدنيا والآخرة ، فتنزل بمنازله الذميمة ، وترتع في مراتعه الوخيمة ، . فتدرج الخليل عليه السلام بدعوة أبيه ، بالأسهل فالأسهل ، فأخبره بعلمه ، وأن ذلك موجب لاتباعك إياي ، وأنك إن أطعتني ، اهتديت إلى صراط مستقيم ، ثم نهاه عن عبادة الشيطان ، وأخبره بما فيها من المضار ، ثم حذره عقاب الله ونقمته إن أقام على حاله ، وأنه يكون وليا للشيطان ، فلم ينجع هذا الدعاء بذلك الشقي ، وأجاب بجواب جاهل وقال :
( يا أبت إني إخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ) .
والشيطان هو الذي يغري بعبادة الأصنام من دون الله ، فالذي يعبدها كأنما يتعبد الشيطان والشيطان عاص للرحمن . وإبراهيم يحذر أباه أن يغضب الله عليه فيعاقبه فيجعله وليا للشيطان وتابعا . فهداية الله لعبده إلى الطاعة نعمة ؛ وقضاؤه عليه أن يكون من أولياء الشيطان نقمة . . نقمة تقوده إلى عذاب أشد وخسارة أفدح يوم يقوم الحساب .
{ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ } أي : على شركك وعصيانك لما آمرك به ، { فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا }{[18859]} يعني : فلا يكون لك مولى ولا ناصرًا ولا مغيثًا إلا إبليس ، وليس إليه ولا إلى غيره من الأمر شيء ، بل اتباعك له موجب لإحاطة العذاب بك ، كما قال تعالى : { تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النحل : 63 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَبَتِ إِنّيَ أَخَافُ أَن يَمَسّكَ عَذَابٌ مّنَ الرّحْمََنِ فَتَكُونَ لِلشّيْطَانِ وَلِيّاً } .
يقول : يا أبت إني أعلم أنك إن متّ على عبادة الشيطان أنه يمسك عذاب من عذاب الله فَتَكُونَ لِلشيّطْانِ وَلِيّا يقول : تكون له وليا دون الله ويتبرأ الله منك ، فتهلك ، والخوف في هذا الموضع بمعنى العلم ، كما الخشية بمعنى العلم ، في قوله : فَخَشِينا أنْ يُرْهِقَهُما طُغْيانا وَكُفْرا .
وقوله { أخاف أن يمسك } قال الطبري وغيره { أخاف } بمعنى أعلم .
قال القاضي أبو محمد : والظاهر عندي أنه خوف{[7969]} على بابه ، وذلك أن إبراهيم عليه السلام لم يكن في وقت هذه المقاولة يائساً من إيمان أبيه ، فكان يرجو ذلك وكان يخاف أن لا يؤمن ويتمادى على كفره الى الموت فيمسه العذاب ، و «الولي » الخالص المصاحب القريب بنسب أو مودة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.