تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ إِن كُنَّا عَنۡ عِبَادَتِكُمۡ لَغَٰفِلِينَ} (29)

{ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ْ } ما أمرناكم بها ، ولا دعوناكم لذلك ، وإنما عبدتم من دعاكم إلى ذلك ، وهو الشيطان كما قال تعالى : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ْ } .

وقال : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ْ }

فالملائكة الكرام والأنبياء والأولياء ونحوهم يتبرؤون ممن عبدهم يوم القيامة ويتنصلون من دعائهم إياهم إلى عبادتهم وهم الصادقون البارون في ذلك ، فحينئذ يتحسر المشركون حسرة لا يمكن وصفها ، ويعلمون مقدار ما قدموا من الأعمال ، وما أسلفوا من رديء الخصال ، ويتبين لهم يومئذ أنهم كانوا كاذبين ، وأنهم مفترون على الله ، قد ضلت عبادتهم ، واضمحلت معبوداتهم ، وتقطعت بهم الأسباب والوسائل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ إِن كُنَّا عَنۡ عِبَادَتِكُمۡ لَغَٰفِلِينَ} (29)

26

( فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ )

هؤلاء هم الشركاء الذين كانوا يعبدون . هؤلاء هم ضعاف يطلبون البراءة من إثم أتباعهم . ويجعلون الله وحده شهيدا ، ويطلبون النجاة من إثم لم يشاركوا فيه !

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ إِن كُنَّا عَنۡ عِبَادَتِكُمۡ لَغَٰفِلِينَ} (29)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا}، يعني لقد كنا، {عن عبادتكم} إيانا {لغافلين} وقد عبدتمونا وما نشعر بكم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل شركاء المشركين من الآلهة والأوثان لهم يوم القيامة، إذ قال المشركون بالله لها: إياكم كنا نعبد:"كفى بالله شهيدا بيننا وبينكم" أي إنها تقول: حسبنا الله شاهدا بيننا وبينكم أيها المشركون، فإنه قد علم أنا ما علمنا ما تقولون. "إنّ كُنّا عَنْ عَبادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ "يقول: ما كنا عن عبادتكم إيانا دون الله إلا غافلين، لا نشعر به ولا نعلم...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وقال في هذه الآية إخبارًا عن قول الشركاء فيما راجعوا فيه عابديهم عند ادعائهم عبادتهم: {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} أي: ما كنا نشعر بها ولا نعلم، وإنما أنتم كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم، والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا، ولا أمرناكم بها، ولا رضينا منكم بذلك.

وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ممن لا يسمع ولا يبصر، ولا يغني عنهم شيئًا، ولم يأمرهم بذلك ولا رضي به ولا أراده، بل تبرأ منهم في وقت أحوج ما يكونون إليه، وقد تركوا عبادة الحي القيوم، السميع البصير، القادر على كل شيء، العليم بكل شيء وقد أرسل رسله وأنزل كتبه، آمرا بعبادته وحده لا شريك له، ناهيًا عن عبادة ما سواه، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل: 36]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45].

والمشركون أنواع وأقسام كثيرون، قد ذكرهم الله في كتابه، وبَيّن أحوالهم وأقوالهم، ورَد عليهم فيما هم فيه أتم رد.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما نفوا ذلك عطفوا عليه مسببين عنه قولهم: {فكفى بالله} أي المحيط علماً وقدرة {شهيداً} أي هو يكفينا كفاية عظيمة جداً من جهة الشهادة التي لا غيبة فيها بوجه ولا ميل أصلاً {بيننا وبينكم} في ذلك يشهد لنا وعلينا؛ ثم استأنفوا خبراً يصحح نفيهم فقالوا مؤكدين لأنهم كانوا يعتقدون علمهم: {إن} أي إنا {كنا} أي كوناً هو جبلة لنا {عن عبادتكم} لنا أو لغيرنا مخلصة أو مشوبة... {لغافلين} لأنه لا أرواح فينا، فلم تكن بحيث نأمر بالعبادة ولا نرضاها، فاللوم عليكم دوننا، وذلك افتداء من موقف الذل أو أنهم لما تخيلوا في الشركاء صفات عبدوها لأجلها وكانت خالية عنها صح النفي لأنهم عبدوا ذوات موصوفة بصفات لا وجود لها في الأعيان، وأيضاً فإنهم ما عبدوا إلاّ الشياطين التي كانت تزين لهم ذلك وتغويهم، ويكون التقدير على ما دل عليه السياق: {فزيلنا بينهم} أي منعناهم مما كانوا فيه من التواصل والتواد المقتضي للتناصر بعبادة الأوثان، فقال المشركون لشركائهم لما أبطأ عنهم نصرهم: إنا كنا نعبدكم من دون الله فأغنوا عنا كما كنا نذب عنكم وننصر دينكم {وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون} أي كُشِف لنا اليوم بتفهيم الله أنه ليس الأمر كما زعمتم وأنكم لم تخصونا بالعبادة حتى يلزمنا منعكم على أنكم لو خصصتمونا ما قدرنا على ذلك كما قال الشيطان {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي} [إبراهيم: 22] {فكفى} أي فتسبب عن نفينا لذلك على ما كشف لنا من العلم أن نقول: كفى {بالله شهيداً بيننا وبينكم} في ذلك، يشهد أنكم لم تخصوا أحداً منه ومنا بعبادة بل كنتم مذبذبين، وهذا كله إشارة إلى أن العبادة المشوبة لا اعتداد بها ولا يرضاها جماد لو نطق، وإن من استحق العبادة استحق الإخلاص فيها وأن لا يشرك به أحد وأنه لا يستحق ذلك إلاّ القادر على كشف الكرب والمنع من أن يقطع بينه وبين متوليه وعابده قاطع؛ ولما كانت فائدة الشاهد ضبط ما قد ينساه المتشاهدان، عللوا اكتفاءهم بشهادة الله بقوله: {إن كنا عن عبادتكم} في تلك الأزمان {لغافلين} فأقروا لهم بما هو الحق مما كان يعلمه كل من له تأمل صحيح أنهم لم يشعروا بعبادتهم ساعة من الدهر قبل ساعتهم هذه، فهم أجدر الخلق بالاكتفاء بشهادة الشهيد لأنهم أسوأ حالاً ممن يعلم المشهود به ويخشى النسيان، أو يقال: فقال المشركون لشركائهم: إنا كنا نعبدكم فهل أنتم ناصرونا أو شافعون لنا فنجونا مما وقعنا فيه {وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا} وحدنا {تعبدون} أي ما كنتم تخلصون لنا العبادة حتى يلزمنا أن نخلصكم كما أعلمنا بذلك الله ربنا وربكم المحيط بكل شيء علماً {فكفى} أي فتسبب عن ذلك أنه كفى {بالله شهيداً بيننا وبينكم} في ذلك، فكأن المشركين قالوا: قد تضمن كلامكم أن عبدناكم على غير منهج الإخلاص، أفليس قد عبدناكم؟ أفلا تغنون عنا شيئاً؟ فأجاب الشركاء بقولهم: {إن كنا عن عبادتكم} خالصة كانت أو مشوبة {لغافلين} فلا نقر لكم بعبادة أصلاً وإن تيقنا الإخلاص لسلب العلم عنا بما كنا فيه من الجمادية فضلاً عن أن نأمركم أو نرضى بعبادتكم على أنه لا غناء عندنا على تقدير من التقادير؛ أو يقال -وهو أحسن مما مضى -: {وقال شركاؤهم} لما تحققوا العذاب طلباً لأن يخفف عنهم منه بتوزيعه عليهم وعلى كل من عبدوه من غيرهم {ما كنتم} أيها العابدون لنا {إيانا} أي خاصة {تعبدون} بل كنتم تعبدون أيضاً غيرنا، وهذا يعم والله كل من يرائيه غيره بعمل وهو يعلم أنه يرائيه فيقره ولا ينكره عليه؛ ولما أفهموا بنفي العبادة بقيد الخصوص أنهم كانوا يعبدون معهم غيرهم، وكان المخلوق قاصر العلم غير محيطه بوجه بأحوال نفسه فكيف يعبدون بأحوال غيره، سببوا عن ذلك قولهم: {فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن} أي في أنا {كنا عن عبادتكم} أي في الجملة {لغافلين} والحاصل أن هذا ترجمة كلام الكفار وهو ناشئ منهم عن محض غلبة ودهش وفرط غم وندم وقلق، فلا يشترط أن يكون معناه على الوجه الأسدّ والطريق الأبلغ، فالإعجاز في نظمه، ومرادهم به أن يخفف عنهم من العذاب ولو بمشاركة من كانوا يعبدونهم معهم، فهو من وادي قوله تعالى فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء} [إبراهيم: 21]، {فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار} [غافر: 47] {فآتاهم عذاباً ضعفاً من النار} [الأعراف: 38] ونحوه {فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب} [الأعراف: 39]- والله أعلم.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

وقد يقال: إن المراد بغفلتهم عن عبادة المشركين عدم طلبهم الاستعدادي لها ويرجع ذلك بالآخرة إلى نفي استحقاق العبادة عن أنفسهم وإثبات الظلم لعابديهم. وحينئذ فالأظهر أن يراد بالشركاء جميع ما عبد من دون الله تعالى من ذوي العقول وغيرهم والكل صادق في قوله ذلك... ولعل التعبير بالغفلة أكثر تهجيناً للمخاطبين ولعبادتهم من التعبير بعدم الطلب مثلاً فتأمل...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

فالملائكة الكرام والأنبياء والأولياء ونحوهم يتبرؤون ممن عبدهم يوم القيامة ويتنصلون من دعائهم إياهم إلى عبادتهم وهم الصادقون البارون في ذلك، فحينئذ يتحسر المشركون حسرة لا يمكن وصفها،ويعلمون مقدار ما قدموا من الأعمال، وما أسلفوا من رديء الخصال، ويتبين لهم يومئذ أنهم كانوا كاذبين، وأنهم مفترون على الله، قد ضلت عبادتهم، واضمحلت معبوداتهم، وتقطعت بهم الأسباب والوسائل.