تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا} (3)

ثم قدر ذلك فقال : { نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ } أي : من النصف { قَلِيلًا } بأن يكون الثلث ونحوه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا} (3)

( يا أيها المزمل . قم الليل إلا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا ، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا . إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا . إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا . إن لك في النهار سبحا طويلا ، واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا . رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) . .

( يا أيها المزمل . . قم . . ) . . إنها دعوة السماء ، وصوت الكبير المتعال . . قم . . قم للأمر العظيم الذي ينتظرك ، والعبء الثقيل المهيأ لك . قم للجهد والنصب والكد والتعب . قم فقد مضى وقت النوم والراحة . . قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد . .

وإنها لكلمة عظيمة رهيبة تنتزعه [ صلى الله عليه وسلم ] من دفء الفراش ، في البيت الهادئ والحضن الدافئ . لتدفع به في الخضم ، بين الزعازع والأنواء ، وبين الشد والجذب في ضمائر الناس وفي واقع الحياة سواء .

إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا ، ولكنه يعيش صغيرا ويموت صغيرا . فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير . . فماله والنوم ? وماله والراحة ? وماله والفراش الدافئ ، والعيش الهادئ ? والمتاع المريح ? ! ولقد عرف رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حقيقة الأمر وقدره ، فقال لخديجة - رضي الله عنها - وهي تدعوه أن يطمئن وينام : " مضى عهد النوم يا خديجة " ! أجل مضى عهد النوم وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق !

( يا أيها المزمل . قم الليل إلا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ) . .

إنه الإعداد للمهمة الكبرى بوسائل الإعداد الإلهية المضمونة . . قيام الليل . أكثره أكثر من نصف الليل ودون ثلثيه . وأقله ثلث الليل . . قيامه للصلاة وترتيل القرآن . وهو مد الصوت به وتجويده . بلا تغن ولا تطر ولا تخلع في التنغيم .

وقد صح عن وتر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بالليل أنه لم يتجاوز إحدى عشرة ركعة . ولكنه كان يقضي في هذه الركعات ثلثي الليل إلا قليلا ، يرتل فيه القرآن ترتيلا .

روى الإمام أحمد في مسنده قال : حدثنا يحيى بن سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن قتادة ، عن زرارة ابن أوفى ، عن سعيد بن هشام . . أنه أتى ابن عباس فسأله عن الوتر فقال : ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ? قال : نعم . قال : ائت عائشة فسلها ، ثم ارجع إلي فأخبرني بردها عليك . . . ثم يقول سعيد بن هشام : قلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قالت : ألست تقرأ القرآن ? قلت : بلى . قالت : فإن خلق رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كان القرآن . فهممت أن أقوم ، ثم بدا لي قيام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قلت : يا أم المؤمنين ، أنبئيني عن قيام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قالت : ألست تقرأ هذه السورة : ( يا أيها المزمل )? قلت : بلى . قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة ؛ فقام رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم . وأمسك الله ختامها في السماء اثني عشر شهرا . ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة ، فصار قيام الليل تطوعا من بعد فريضة . . فهممت أن أقوم ، ثم بدا لي وتر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قالت : كنا نعد له سواكه وطهوره ، فيبعثه الله كما شاء أن يبعثه من الليل ، فيتسوك ، ثم يتوضأ ، ثم يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن ، إلا عند الثامنة ، فيجلس ويذكر ربه تعالى ويدعو ، ثم ينهض وما يسلم ، ثم يقوم ليصلي التاسعة ، ثم يقعد فيذكر الله وحده ، ثم يدعوه ، ثم يسلم تسليما يسمعنا . ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم ، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني ، فلما أسن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأخذ اللحم أوتر بسبع ثم صلى ركعتين وهو جالس بعدما يسلم ، فتلك تسع يا بني . وكان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها . وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أو مرض صلى من نهار اثنتي عشرة ركعة . ولا أعلم نبي الله [ صلى الله عليه وسلم ] قرأ القرآن كله في ليلة حتى أصبح ، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان . . . "

وكان هذا الإعداد للقول الثقيل الذي سينزله الله عليه . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا} (3)

وقوله : قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : قم الليل يا محمد كله إلا قليلاً منه ، نِصْفَهُ يقول : قم نصف الليل أو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أوْ زِدْ عَلَيْهِ يقول : أو زد عليه خَيره الله تعالى ذكره حين فرض عليه قيام الليل بين هذه المنازل أيّ ذلك شاء فعل ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما ذُكر يقومون الليل ، نحو قيامهم في شهر رمضان فيما ذُكر حتى خفف ذلك عنهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، عن مسعر ، قال : حدثنا سماك الحنفي ، قال : سمعت ابن عباس يقول : لما نزل أوّل المزمل ، كانوا يقومون نحوا من قيامهم في رمضان ، وكان بين أوّلها وآخرها قريب من سنة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، عن مِسْعر ، قال : حدثنا سماك ، أنه سمع ابن عباس يقول ، فذكر نحوه . إلا أنه قال : نحوا من قيامهم في شهر رمضان .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يزيد بن حيان ، عن موسى بن عبيدة ، قال : ثني محمد بن طَحْلاء مولى أمّ سلمة ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا يصلي عليه من الليل ، فتسامع به الناس ، فاجتمعوا ، فخرج كالمغضَب ، وكان بهم رحيما ، فخشي أن يُكتب عليهم قيام الليل ، فقال : «يا أيّها النّاسُ اكْلَفُوا مِنَ الأعْمال ما تُطِيقُونَ ، فإنّ الله لا يَمَلّ مِنَ الثّوَابِ حتى تَمَلّوا مِنَ العَمَلِ وخَيْرُ الأعْمالِ ما دُمْتُمْ عَلَيْهِ » ونزل القرآن : يأَيّها المُزّمّلِ قُمِ اللّيْلِ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أو زِد عَلَيْهِ حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق ، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر ، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردّهم إلى الفريضة وترك قيام الليل .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن موسى بن عبيدة الحميري ، عن محمد بن طحلاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : كنت أشتري لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا ، فكان يقوم عليه من أوّل الليل ، فتسمع الناس بصلاته ، فاجتمعت جماعة من الناس فلما رأى اجتماعهم كره ذلك ، فخشي أن يكتب عليهم ، فدخل البيت كالمغضب ، فجعلوا يتنحنحون ويتسعّلون حتى خرج إليهم ، فقال : «يا أيّها النّاسُ إنّ اللّهَ لا يَمَلّ حتى تَمَلّوا يعني من الثواب فاكْلَفُوا مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقُونَ فإنّ خَيْرَ الَعمَلِ أدْوَمُهُ وَإنْ قَلّ » ونزلت عليه : يأيّها المُزّمّلُ قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً السورة قال : فكتبت عليهم ، وأنزلت بمنزلة الفريضة حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به فلما رأى الله ما يكلفون مما يبتغون به وجه الله ورضاه ، وضع ذلك عنهم ، فقال : إنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أنّكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ ثُلثَيِ اللّيْلِ وَنِصْفَهُ . . . إلى عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فردّهم إلى الفريضة ، ووضع عنهم النافلة ، إلا ما تطوّعوا به .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : قُمِ اللّيْلِ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أو زِد عَلَيْهِ وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلاً ، فشقّ ذلك على المؤمنين ، ثم خفّف عنهم فرحمهم ، وأنزل الله بعد هذا : عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ . . . إلى قوله فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنْهُ فوسع الله وله الحمد ، ولم يضيق .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : لما أنزل الله على نبيه : يأيّها المُزّمّلُ قال : مكث النبيّ صلى الله عليه وسلم على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله ، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه ، فأنزل الله عليه بعد عشر سنين : إنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أنّكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللّيْلِ وَنِصْفَهُ وثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الّذِينَ مَعَكَ . . . إلى قوله : وأقِيمُوا الصّلاةَ فخفّ الله عنهم بعد عشر سنين .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة والحسن ، قالا : قال في سورة المزمل قُمِ اللّيْلِ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أو زِد عَلَيْهِ وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً نسختها الاَية التي فيها : عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنَ القُرْآنِ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً قاموا حولاً أو حولين حتى انتفخت سوقهم وأقدامهم ، فأنزل الله تخفيفا بعد في آخر السورة .

حدثنا ابن حميد ، . قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن قيس بن وهب ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : لما نزلت : يأيّها المُزّمّلُ قاموا بها حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت : فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنْهُ فاستراح الناس .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جرير بياع المُلاء عن الحسن ، قال : الحمد لله تطوّع بعد فريضة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مبارك ، عن الحسن ، قال لما نزلت يأيّها المُزّمّلُ . . . الاَية ، قام المسلمون حولاً ، فمنهم من أطاقه ، ومنهم من لم يطقه ، حتى نزلت الرخصة .

قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : لما نزل أوّل المزّمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان ، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة .

وقوله : وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً يقول جلّ وعزّ : وبين القرآن إذا قرأته تبيينا ، وترسل فيه ترسلاً . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علبة ، قال : حدثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : اقرأه قراءة بينة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً فقال : بعضه على أثر بعض .

حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً فقال : بعضه على أثر بعض . على تؤدة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله الله وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : ترسل فيه ترسلاً .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً فقال : بعضه على أثر بعض .

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج ، عن عطاء وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : الترتيل النّبْذ : الطّرْح .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال بينه بيانا .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مِقْسم ، عن ابن عباس وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : بيّنه بيانا .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : بعضه على أثر بعض .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا} (3)

نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه الاستثناء من الليل و نصفه بدل من قليلا وقلته بالنسبة إلى الكل والتخيير بين قيام النصف والزائد عليه كالثلثين والناقص عنه كالثلث أو نصفه بدل من الليل والاستثناء منه والضمير في منه و عليه للأقل من النصف كالثلث فيكون التخيير بينه وبين الأقل منه كالربع والأكثر منه كالنصف أو للنصف والتخيير بين أن يقوم أقل منه على البت وأن يختار أحد الأمرين من الأقل والأكثر أو الاستثناء من إعداد الليل فإنه عام والتخيير بين قيام النصف والناقص عنه الزائد عليه ورتل القرآن ترتيلا اقرأه على تؤده وتبيين حروف بحيث يتمكن السامع من عدها من قوله ثغر رتل ورتل إذا كان مفلجا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا} (3)

وقوله تعالى : { نصفه } يحتمل أن يكون بدلاً من قوله { قليلاً } ، وكيف ما تقلب المعنى ، فإنه أمر بقيام نصف الليل أو أكثر شيء أو أقل شيء ، فالأكثر عند العلماء لا يزيد على الثلثين ، والأقل لا ينحط عن الثلث ويقوي هذا حديث ابن عباس في بيت ميمونة قال : فلما انتصف الليل أو قبله بقليل قام رسول الله صلى الله عليه وسلم{[11388]} ، ويلزم على هذا الذي ذكرناه أن يكون نصف الليل قد وقع عليه الوصف بقليل ، وقد يحتمل عندي قوله { إلا قليلاً } ، أن يكون استثناء من القيام ، فيجعل الليل اسم جنس ، ثم قال { إلا قليلاً } ، أي الليالي التي تخل بقيامها عند العذر البين .

وهذا النظر يحسن مع القول مع الندب جداً . وقد تكلم الجرجاني رحمه الله في نظمه في هذه الآية بتطويل وتدقيق غير مفيد أكثره غير صحيح . وقرأ الجمهور : «أوُ انقص » بضم الواو ، وقرأ الحسن وعاصم وحمزة بكسر الواو ، وقرأ عيسى بالوجهين ، والضمير في { منه } و { عليه } عائدان على النصف .


[11388]:أخرجه أبو داود، والبيهقي في السنن، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر، فحزرت قيامه في كل رقعة بمقدار (يا أيها المزمل) والله أعلم.