فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا} (3)

وانتصاب { نصفه } على أنه بدل من الليل . قال الزجاج : نصفه بدل من الليل ، وإلاّ قليلاً استثناء من النصف ، والضمير في منه وعليه عائد إلى النصف . والمعنى : قم نصف الليل ، أو انقص من النصف قليلاً إلى الثلث ، أو زد عليه قليلاً إلى الثلثين ، فكأنه قال : قم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه . وقيل : إن نصفه بدل من قوله { قليلاً } فيكون المعنى : قم الليل إلاّ نصفه أو أقلّ من نصفه أو أكثر من نصفه قال الأخفش : نصفه : أي أو نصفه كما يقال : أعطه درهماً درهمين ثلاثة يريد أو درهمين أو ثلاثة . قال الواحدي : قال المفسرون : أو انقص من النصف قليلاً إلى الثلث ، أو زد على النصف إلى الثلثين ، جعل له سعة في مدة قيامه في الليل وخيره في هذه الساعات للقيام ، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم وطائفة معه يقومون على هذه المقادير ، وشقّ ذلك عليهم ، فكان الرجل لا يدري كم صلّى ، أو كم بقي من الليل ، فكان يقوم الليل كله حتى خفف الله عنهم ، وقيل : الضميران في منه وعليه راجعان للأقل من النصف ، كأنه قال : قم أقل من نصفه ، أو قم أنقص من ذلك الأقلّ ، أو أزيد منه قليلاً ، وهو بعيد جداً ، والظاهر أن نصفه بدل من قليلاً ، والضميران راجعان إلى النصف المبدل من { قليلاً } .

واختلف في الناسخ لهذا الأمر . وقيل : هو قوله : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَِ الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } [ المزمل : 20 ] إلى آخر السورة . وقيل : هو قوله : { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } وقيل : هو قوله : { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى } . وقيل : هو منسوخ بالصلوات الخمس ، وبهذا قال مقاتل والشافعي وابن كيسان . وقيل : هو قوله : { فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } [ المزمل : 20 ] وذهب الحسن وابن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو قدر حلب شاة .

/خ18