تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ} (2)

يشير تعالى إشارة دالة على التعظيم إلى { آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } أي : آياته محكمة ، صدرت من حكيم خبير .

من إحكامها ، أنها جاءت بأجل الألفاظ وأفصحها ، وأبينها ، الدالة على أجل المعاني وأحسنها .

ومن إحكامها ، أنها محفوظة من التغيير والتبديل ، والزيادة والنقص ، والتحريف .

ومن إحكامها : أن جميع ما فيها من الأخبار{[661]}  السابقة واللاحقة ، والأمور الغيبية كلها ، مطابقة للواقع ، مطابق لها الواقع ، لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية ، ولم يخبر بخلافها ، نبي من الأنبياء ، [ ولم يأت ولن يأتي علم محسوس ولا معقول صحيح ، يناقض ما دلت عليه ]{[662]} .

ومن إحكامها : أنها ما أمرت بشيء ، إلا وهو خالص المصلحة ، أو راجحها ، ولا نهت عن شيء ، إلا وهو خالص المفسدة أو راجحها ، وكثيرا ما يجمع بين الأمر بالشيء ، مع ذكر [ حكمته ]{[663]}  فائدته ، والنهي عن الشيء ، مع ذكر مضرته .

ومن إحكامها : أنها جمعت بين الترغيب والترهيب ، والوعظ البليغ ، الذي تعتدل به النفوس الخيرة ، وتحتكم ، فتعمل بالحزم .

ومن إحكامها : أنك تجد آياته المتكررة ، كالقصص ، والأحكام ونحوها ، قد اتفقت كلها وتواطأت ، فليس فيها تناقض ، ولا اختلاف . فكلما ازداد بها البصير تدبرا ، وأعمل فيها العقل تفكرا ، انبهر عقله ، وذهل لبه من التوافق والتواطؤ ، وجزم جزما لا يمترى فيه ، أنه تنزيل من حكيم حميد .

ولكن - مع أنه حكيم - يدعو إلى كل خلق كريم ، وينهى عن كل خلق لئيم ، أكثر الناس محرومون الاهتداء به ، معرضون عن الإيمان والعمل به ، إلا من وفقه اللّه تعالى وعصمه ، وهم المحسنون في عبادة ربهم والمحسنون إلى الخلق .


[661]:- في أ: الأحكام والتصويب من: ب.
[662]:- زيادة من ب.
[663]:- زيادة من ب.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ} (2)

ألم . تلك آيات الكتاب الحكيم . هدى ورحمة للمحسنين ، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، وهم بالآخرة هم يوقنون . أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون . .

الافتتاح بالأحرف المقطعة . ( ألف . لام . ميم )والإخبار عنها بأنها : ( تلك آيات الكتاب الحكيم )للتنبيه إلى أن آيات الكتاب من جنس تلك الأحرف - على نحو ما تقدم في السور المبدوءة بالأحرف - واختيار وصف الكتاب هنا بالحكمة ، لأن موضوع الحكمة مكرر في هذه السورة ، فناسب أن يختار هذا الوصف من أوصاف الكتاب في جوه المناسب على طريقة القرآن الكريم . ووصف الكتاب بالحكمة يلقي عليه ظلال الحياة والإرادة ، فكأنما هو كائن حي متصف بالحكمة في قوله وتوجيهه ، قاصد لما يقول ، مريد لما يهدف إليه . وإنه لكذلك في صميمه . فيه روح . وفيه حياة . وفيه حركة . وله شخصية ذاتية مميزة . وفيه إيناس . وله صحبة يحس بها من يعيشون معه ويحيون في ظلاله ، ويشعرون له بحنين وتجاوب كالتجاوب بين الحي والحي ، وبين الصديق والصديق !