القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ بَدّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ }
يقول تعالى ذكره : ألم تنظر يا محمد إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا يقول : غيروا ما أنعم الله به عليهم من نعمه ، فجعلوها كُفرا به . وكان تبديلهم نعمة الله كفرا في نبيّ الله محمد صلى الله عليه وسلم ، أنعم الله به على قريش ، فأخرجه منهم وابتعثه فيهم رسولاً ، رحمة لهم ونعمة منه عليهم ، فكفروا به ، وكذّبوه ، فبدّلوا نعمة الله به كفرا . وقوله : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ يقول : وأنزلوا قومهم من مُشركي قريش دار البوار ، وهي دار الهلاك ، يقال منه : بار الشيء يَبُورُ بَوْرا : إذا هلك وبطل ومنه قول ابن الزّبعري ، وقد قيل إنه لأبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب :
يا رَسُولَ المَلِيكِ إنّ لِسانِي *** رَاتِقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ
ثم ترجم عن دار البوار وما هي ، فقيل : جَهَنّمَ يَصْلَوْنَهاوَبئْسَ القَرَارِ يقول : وبئس المستقرّ هي جهنم لمن صلاها . وقيل : إن الذين بدّلوا نعمة الله كفرا : بنو أمية ، وبنو مخزوم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار وأحمد بن إسحاق ، قالا : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف بن سعد ، عن عمر بن الخطاب ، في قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ جَهَنّمَ قال : هما الأفجران من قريش : بنو المغيرة ، وبنو أمية فأما بنو المغيرة فكُفيتُمُوهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتّعوا إلى حين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : أخبرنا حمزة الزيات ، عن عمرو بن مرّة ، قال : قال ابن عباس لعمر رضي الله عنهما : يا أمير المؤمنين ، هذه الاَية : الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ ؟ قال : هم الأفجران من قريش أخوالي وأعمامك ، فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر ، وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ذي مرّ ، عن عليّ : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : الأفجران من قريش .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ذي مرّ ، عن عليّ ، مثله .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان وشريك ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ذي مرّ ، عن عليّ ، قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : بنو المغيرة وبنو أمية فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر وأما بنو أمية فمُتّعوا إلى حين .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت عمرا ذا مرّ ، قال : سمعت عليّا يقول في هذه الاَية : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : الأفجران من بني أسد وبني مخزوم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن أبي الطفيل ، عن عليّ ، قال : هم كفار قريش . يعني في قوله : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ جَهَنّمَ .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن أبي الطفيل أنه سمع عليّ بن أبي طالب ، وسأله ابن الكوّاء عن هذه الاَية : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم كفار قريش يوم بدر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، عن شعبة ، عن القاسم بن أبي بزّة ، قال : سمعت أبا الطفيل ، قال : سمعت عليّا ، فذكر نحوه .
حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سميع ، عن مسلم البطين ، عن أبي أرطأة ، عن عليّ في قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا قال : هم كفّار قريش . هكذا قال أبو السائب مسلم البطين عن أبي أرطأة .
حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، قال : حدثنا إسماعيل بن سميع ، عن مسلم بن أرطأة ، عن عليّ ، في قوله تعالى : الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا قال : كفار قريش .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق ، قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن أبي الطفيل ، عن عليّ ، قال في قول الله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم كفار قريش .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بَزة ، قال : سمعت أبا الطفيل يحدّث ، قال : سمعت عليّا يقول في هذه الاَية : أَلَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : كفار قريش يوم بدر .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا بسام الصّيرفيّ ، قال : حدثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة ، ذكر أن عليّا قام على المنبر فقال : سلوني قبل أن لا تسألوني ، ولن تسألوا بعدي مثلي فقام ابن الكوّاء فقال : من الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ ؟ قال : منافقو قريش .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا بسام ، عن رجل قد سماه الطنافسيّ ، قال : جاء رجل إلى عليّ ، فقال : يا أمير المؤمنين : من الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًاوأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ ؟ قال : في قريش .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا بسام الصيرفيّ ، عن أبي الطفيل ، عن عليّ أنه سئل عن هذه الاَية : الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا قال : منافقو قريش .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، أن ابن عباس قال في قوله : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم المشركون من أهل بدر .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الجبار ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، قال : سمعت عطاء يقول : سمعت ابن عباس يقول : هم والله أهل مكة الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا صالح بن عمر ، عن مطرف بن طريف ، عن أبي إسحاق قال : سمعت عمرا ذا مرّ يقول : سمعت عليّا يقول على المنبر ، وتلا هذه الاَية : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ . قال : هما الأفجران من قريش فأما أحدهما فقطع الله دابرهم يوم بدر وأما الاَخر فمُتّعوا إلى حين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا قال : كفار قريش .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن مجاهد ، قال : كفار قريش .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حُذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا كفار قريش .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، قال : سمعت ابن عباس يقول : هم والله الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُم دَارَ البَوَارِ قريش . أو قال : أهل مكة .
حدثنا ابن وكيع وابن بشار ، قالا : حدثنا غُنْدر ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الاَية : الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : قتلى يوم بدر .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم كفار قريش .
حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، قالا : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا هشيم ، عن حُصَين ، عن أبي مالك وسعيد بن جبير ، قالا : هم قتلى بدر من المشركين .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس في : الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم والله أهل مكة . قال : أبو كريب : قال سفيان : يعني كفارهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، في قوله : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم المشركون من أهل بدر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، عن بعض أصحاب عليّ ، عن عليّ ، في قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا قال : هم الأفجران من قريش من بني مخزوم وبني أمية أما بنو مخزوم فإن الله قطع دابرهم يوم بدر وأما بنو أمية فمُتّعوا إلى حين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : أخبرنا خالد ، عن حصين ، عن أبي مالك ، في قول الله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا قال : هم القادة من المشركين يوم بدر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن حصين ، عن أبي مالك وسعيد بن جبير ، قالا : هم كفار قريش من قُتل ببدر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : هم كفار قريش ، من قُتل ببدر .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا . . . الاَية ، قال : هم مشركو أهل مكة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قال : أخبرني محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن عطاء بن يسار ، قال : نزلت هذه الاَية في الذين قُتلوا من قريش : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ . . . الاَية .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ كنا نحدّث أنهم أهل مكة : أبو جهل وأصحابه الذين قتلهم الله يوم بدر ، قال الله : جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها وَبئْس القَرَارُ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم قادة المشركين يوم بدر ، أحلوا قومهم دار البوار جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هؤلاء المشركون من أهل بدر .
حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن ابن عباس ، قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها فهو جبلة بن الأيهم ، والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : أحلوا من أطاعهم من قومهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن ابن عباس : دَارَ البَوَارِ قال : الهلاك . قال ابن جريج ، قال مجاهد : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : أصحاب بدر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : دَارَ البَوَارِ النار . قال : وقد بَيّن الله ذلك وأخبرك به ، فقال : جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ القَرَارُ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : دَارَ البَوَارِ جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها هي دارهم في الاَخرة .
وقوله : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } الآية ، هذا تنبيه على مثال من ظالمين أضلوا ، والتقدير : بدلوا شكر نعمة الله كفراً ، وهذا كقوله : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون }{[7074]} [ الواقعة : 82 ] .
و { نعمة الله } المشار إليها في هذه الآية هو محمد عليه السلام ودينه ، أنعم الله به على قريش ، فكفروا النعمة ولم يقبلوها ، وتبدلوا بها الكفر .
والمراد ب { الذين } كفرة قريش جملة - هذا بحسب ما اشتهر من حالهم - وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين . وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب : أنها نزلت في الأفجرين من قريش : بني مخزوم وبني أمية . قال عمر : فأما بنو المغيرة فكفوا يوم بدر{[7075]} . وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين ، وقال ابن عباس : هذه الآية في جبلة بن الأيهم{[7076]} .
قال القاضي أبو محمد : ولم يرد ابن عباس أنها فيه نزلت لأن نزول الآية قبل قصته ، وإنما أراد أنها تحصر من فعل جبلة إلى يوم القيامة .
وقوله : { وأحلوا قومهم } أي من أطاعهم ، وكان معهم في التبديل ، فكأن الإشارة والتعنيف إنما هي للرؤوس والأعلام ، و { البوار } الهلاك ، ومنه قول أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب .
يا رسول المليك إن لساني . . . فاتقٌ ما رتَقْتَ إذ أنا بُور{[7077]}
قال الطبري : وقال هو وغيره : إنه يروى لابن الزبعرى .
ويحتمل أن يريد ب { البوار } : الهلاك في الآخرة ففسره حينئذ بقوله : { جهنم يصلونها } ، يحترقون في حرها ويحتملونه ، ويحتمل أن يريد ب { البوار } : الهلاك في الدنيا بالقتل والخزي فتكون «الدار » قليب بدر ونحوه . وقال عطاء : نزلت هذه الآية في قتلى بدر .
قال القاضي أبو محمد : فيكون قوله : { جهنم } نصباً ، على حد قولك : زيداً ضربته ، بإضمار فعل يقتضيه الظاهر .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 28]
يقول تعالى ذكره: ألم تنظر يا محمد إلى "الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا "يقول: غيروا ما أنعم الله به عليهم من نعمه، فجعلوها كُفرا به. وكان تبديلهم نعمة الله كفرا في نبيّ الله محمد صلى الله عليه وسلم، أنعم الله به على قريش، فأخرجه منهم، وابتعثه فيهم رسولاً رحمة لهم ونعمة منه عليهم، فكفروا به وكذّبوه، فبدّلوا نعمة الله به كفرا. وقوله: "وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ" يقول: وأنزلوا قومهم من مُشركي قريش دار البوار، وهي دار الهلاك، يقال منه: بار الشيء يَبُورُ بَوْرا: إذا هلك وبطل... ثم ترجم عن دار البوار وما هي، فقيل: "جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها وَبئْسَ القَرَارِ" يقول: وبئس المستقرّ هي جهنم لمن صلاها...
عن ابن عباس، في قوله: "وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ" قال: هم المشركون من أهل بدر.
... عن قتادة، في قوله: "وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ" قال: هم قادة المشركين يوم بدر...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وقوله "جهنم يصلونها "في موضع نصب بدلا من قوله "دار البوار" لأنه تفسير لهذه الدار، "يصلونها" أي يصلون فيها ويشتوون فيها.
ثم أخبر انها بئس القرار، أي بئس المستقر والمأوى.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{جهنم يصلونها}، يحترقون في حرها ويحتملونه...
و {القرار}: موضع استقرار الإنسان.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{جهنم} حال كونهم {يصلونها} أي يباشرون حرها مع انغماسهم فيها بانعطافها عليهم؛ ولما كان التقدير: فبئس الإحلال أحلوه أنفسهم وقومهم، عطف عليه قوله: {وبئس القرار} ذلك المحل الذي أحلوهم به...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ)
وبهذا الاستبدال العجيب قادوا قومهم إلى جهنم، وأنزلوهم بها -كما شاهدنا منذ قليل في الأقوام من قبل!- وبئس ما أحلوهم من مستقر، وبئس القرار فيها من قرار! ألم تر إلى تصرف القوم العجيب، بعد ما رأوا ما حل بمن قبلهم -وقد عرضه القرآن عليهم عرض رؤية في مشاهد تلك القصة التي مضى بها الشوط الأول من السورة. عرضه كأنه وقع فعلا. وإنه لواقع. وما يزيد النسق القرآني على أن يعرض ما تقرر وقوعه في صورة الواقع المشهود.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا}، جزاءً لكفرهم وعصيانهم {وَبِئْسَ الْقَرَارُ} لأنهم لا يطمئنون فيه إلى مصير مريح لما يلاقونه من عذاب متواصل لا نهاية له، ولا انقطاع...