ثم ذكر عدم المانع لهم من الانقياد فقال { يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } أي : غرامة من أموالكم ، على ما دعوتكم إليه ، فتقولوا : هذا يريد أن يأخذ أموالنا ، وإنما أدعوكم وأعلمكم مجانا .
{ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ } ما أدعوكم إليه ، وأنه موجب لقبوله ، منتف المانع عن رده .
ثم بين لهم بعد ذلك أنه لا يريد منهم جزاء ولا شكورا فى مقابل دعوته إياهم إلى الحق فقال : { ياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الذي فطرني . . . }
وفطرنى : أى خلقنى وأبدعنى على غير مثال سابق ، يقال : فطر الأمر . أى : ابتدأه وأنشأه . وفطر الله الخلق : أى خلقهم وأوجدهم . وأصل الفطر : الشق ، ثم استعمل فى الخلق والإِنشء مجازا .
والمعنى : ويا قوم لا أريد منكم على ما أدعوكم إليه أجرا منكم ، وإنما أجرى تكفل به الله الذى خلقنى بقدرته ، فهو وحده الذى أطلب منه الأجر والعطاء .
ومقصده من هذا القول ، إزالته ما عسى أن يكون قد حاك فى نفوسهم ، من أنه ما دعاهم إلى ما دعاهم إليه ، إلا أنه رجل يبتغى منهم الأجر الذى يجعله موسرا فيهم . .
والهمزة فى قوله { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } للاستفهام الإِنكارى ، وهى داخله على محذوف .
أى : أتجهلون ما هو واضح من الأمور ، فلا تعقلون أن أجر الناصحين المخلصين ، إنما هو من الله - تعالى - رب العالمين ورارقهم .
جملة { يا قوم لا أسألكم عليه أجراً } إن كان قالها مع الجملة التي قبلها فإعادة النداء في أثناء الكلام تكرير للأهمية ، يقصد به تهويل الأمر واسترعاء السمع اهتماماً بما يستسمعونه ، والنداء هو الرابط بين الجملتين ؛ وإن كانت مقولة في وقت غير الذي قيلت فيه الجملة الأولى ، فكونها ابتداء كلام ظاهر .
وتقدم تفسير { لا أسألكم عليه أجراً } في قصة نوح عليه السّلام ، أي لا أسألكم أجراً على ما قلته لكم .
والتعبير بالموصول { الذي فطرني } دون الاسم العلم لزيادة تحقيق أنّه لا يسألهم على الإرشاد أجراً بأنه يعلم أن الذي خلقه يسوق إليه رزقه ، لأن إظهار المتكلم علمه بالأسباب يكسب كلامه على المسببات قوة وتحقيقاً .
ولذلك عطف على ذلك قوله : { أفلا تعقلون } بفاء التفريع عاطفة استفهاماً إنكارياً عن عدم تعقلهم ، أي تأملهم في دلالة حاله على صدقه فيما يبلغ ونصحه لهم فيما يأمرهم . والعقل : العلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.