تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} (6)

{ 6 - 14 } { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }

يقول تعالى : { أَلَمْ تَرَ } بقلبك وبصيرتك كيف فعل بهذه الأمم الطاغية .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} (6)

وجواب القسم محذوف دل عليه قوله - تعالى - بعد ذلك : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } إلى قوله : { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } .

والتقدير : وحق هذه المخلوقات لتعذبن - أيها الكافرون - كما عذب الذين من قبلكم ، مثل عاد وثمود وفرعون .

قال الجمل : فإن قلت : ما فائدة قوله - تعالى - : { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } بعد أن أقسم - سبحانه - بالأشياء المذكورة ؟ قلنا : هو لزيادة التأكيد والتحقيق للمقسم عليه ، كمن ذكر حجة باهرة ، ثم قال : أفيما ذكرته حجة ؟

وجواب القسم محذوف ، أى : لتعذبن يا كفار مكة ، وقيل هو مذكور وهو قوله : { إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد } ، وقيل محذوف لدلالة المعنى عليه ، أى لنجازين كل أحد بعمله .

ثم ذكر - سبحانه - على سبيل الاستشهاد ، ما أنزله من عذاب مهين ، بالأقوام المكذبين . فقال - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } .

والاستفهام فى قوله : { أَلَمْ تَرَ . . } للتقرير ، والرؤية : علمية ، تشبيها للعلم اليقينى بالرؤية فى الوضوح والانكشاف ، لأن أخبار هذه الأمم كانت معلومة للمخاطبين .

ويجوز أن تكون الرؤية بصرية ، لكل م نشاهد آثار هؤلاء الأقوام البائدين . .

والمراد بعاد : تلك القبيلة المشهورة بهذا الاسم ، والتى كانت تسكن الأحقاف ، وهو مكان فى جنوب الجزيرة العربية ، معروف للعرب ، قال - تعالى - : { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ واتبعوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } سموا بذلك نسبة إلى أبيهم عاد بن عُوص ، بن إرم ، بن سام ، بن نوح - عليه السلام

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} (6)

لا يصلح هذا أن يكون جواباً للقسم ولكنه : إمَّا دليلُ الجواب إذ يدل على أن المقسَم عليه من جنس ما فُعِل بهذه الأمم الثلاث وهو الاستئصال الدال عليه قوله : { فصب عليهم ربك سوط عذاب } ، فتقدير الجواب ليصبن ربك على مكذبيك سوط عذاب كما صب على عاد وثمود وفرعون .

وإمّا تمهيد للجواب ومقدمة له إن جعلت الجواب قوله : { إن ربك لبالمرصاد } وما بينه وبين الآيات السابقة اعتراض جعل كمقدمة لجواب القسم .

والمعنى : إن ربك لبالمرصاد للمكذبين لا يخفى عليه أمرهم ، فيكون تثبيتاً للنبيء صلى الله عليه وسلم كقوله : { ولا تحسبن اللَّه غافلاً عما يعمل الظالمون } [ إبراهيم : 42 ] .

فالاستفهام في قوله : { ألم تر } تقريري ، والمخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم تثبيتاً له ووعداً بالنصر ، وتعريضاً للمعاندين بالإِنذار بمثله فإن ما فُعل بهذه الأمم الثلاث موعظة وإنذار للقوم الذين فَعَلوا مثل فعلهم من تكذيب رسل الله قُصد منه تقريب وقوع ذلك وتوقع حلوله . لأن التذكير بالنظائر واستحضَار الأمثال يقرِّب إلى الأذهانِ الأمر الغريب الوقوع ، لأن بُعد العهد بحدوث أمثاله ينسيه الناسَ ، وإذا نُسي استبعَد الناسُ وقوعه ، فالتذكير يزيل الاستبعاد .

فهذه العِبَر جزئيات من مضمون جواب القسم ، فإن كان محذوفاً فذِكْرُها دليلُه ، وإن كان الجواب قوله : { إن ربك لبالمرصاد } كان تقديمها على الجواب زيادة في التشويق إلى تلقيه ، وإيذاناً بجنس الجواب من قَبْل ذكره ليحصل بعد ذكره مزيد تقرُّره في الأذهان .

والرؤيَةُ في { ألم تر } يجوز أن تكون رؤية عِلْمية تشبيهاً للعلم اليقيني بالرؤية في الوضوح والانكشاف لأن أخبار هذه الأمم شائعة مضروبة بها المُثُل فكأنها مشاهدة . فتكون { كيف } استفهاماً معلِّقاً فعل الرؤية عن العمل في مفعولين .

ويجوز أن تكون الرؤية بصرية والمعنى : ألم تر آثار ما فعل ربك بعاد ، وتكون { كيف } إسْماً مجرّداً عن الاستفهام في محل نصب على المفعولية لفعل الرؤية البصرية .

وعُدل عن اسم الجلالة إلى التعريف بإضافة رب إلى ضمير المخاطب في قوله : { فعل ربك } لِما في وصف رب من الإِشعار بالولاية والتأييد ولما تؤذن به إضافته إلى ضمير المخاطب من إعزازه وتشريفه .

وقد ابتُدئت الموعظة بذكر عاد وثمود لشهرتهما بين المخاطبين وذُكِرَ بعدهما قوم فرعون لشهرة رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون بين أهل الكتاب ببلاد العرب وهم يحدِّثون العرب عنها .

وأريد ب« عاد » الأمة لا محالة قال تعالى : { وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم } [ هود : 59 ] فوَجْه صرفه أنه اسم ثلاثي ساكن الوسط مثللِ هِند ونُوح وإرَم بكسر الهمزة وفتح الراء اسم إرَم بن سَامٍ بن نُوح وهو جد عاد لأن عاداً هو ابن عُوص بن إرَم ، وهو ممنوع من الصرف للعجمة لأن العرب البائدة يُعتبرون خارجين عن أسماء اللغة العربية المستعملة ، فهو عطف بيان ل« عاد » للإِشارة إلى أن المراد ب« عاد » القبيلة التي جدها الأدنى هو عاد بن عوص بن إرم ، وهم عاد الموصوفة ب { الأولى } في قوله تعالى : { وأنه أهلك عاداً الأولى } [ النجم : 50 ] لئلا يتوهم أن المتحدَّثَ عنهم قبيلة أخرى تسمى عاداً أيضاً . كانت تنزل مكة مع العَمَاليق يقال : إنهم بقية من عاد الأولى فعاد وإرم اسمان لقبيلة عاد الأولى .