مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} (6)

قوله تعالى : { ألم تر كيف ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد }

واعلم أن في جواب القسم وجهين ( الأول ) : أن جواب القسم هو قوله : { إن ربك لبالمرصاد } وما بين الموضعين معترض بينهما ( الثاني ) : قال صاحب «الكشاف » : المقسم عليه محذوف وهو لنعذبن الكافرين ، يدل عليه قوله تعالى : { ألم تر } إلى قوله { فصب عليهم ربك سوط عذاب } وهذا أولى من الوجه الأول لأنه لما لم يتعين المقسم عليه ذهب الوهم إلى كل مذهب ، فكان أدخل في التخويف ، فلما جاء بعده بيان عذاب الكافرين دل على أن المقسم عليه أولا هو ذلك .

أما قوله تعالى : { ألم تر } ففيه مسألتان :

المسألة الأولى : ألم تر ، ألم تعلم لأن ذلك مما لا يصح أن يراه الرسول وإنما أطلق لفظ الرؤية ههنا على العلم ، وذلك لأن أخبار عاد وثمود وفرعون كانت منقولة بالتواتر ! أما عاد وثمود فقد كانا في بلاد العرب وأما فرعون فقد كانوا يسمعونه من أهل الكتاب ، وبلاد فرعون أيضا متصلة بأرض العرب وخبر التواتر يفيد العلم الضروري ، والعلم الضروري جار مجرى الرؤية في القوة والجلاء والبعد عن الشبهة ، فلذلك قال : { ألم تر } بمعنى ألم تعلم .

المسألة الثانية : قوله : { ألم تر } وإن كان في الظاهر خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم لكنه عام لكل من علم ذلك . والمقصود من ذكر الله تعالى حكايتهم أن يكون زجرا للكفار عن الإقامة على مثل ما أدى إلى هلاك عاد وثمود وفرعون وقومه ، وليكون بعثا للمؤمنين على الثبات على الإيمان .

أما قوله تعالى : { بعاد إرم ذات العماد } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : أنه تعالى ذكر ههنا قصة ثلاث فرق من الكفار المتقدمين وهي عاد وثمود وقوم فرعون على سبيل الإجمال حيث قال : { فصب عليهم ربك سوط عذاب } ولم يبين كيفية ذلك العذاب ، وذكر في سورة الحاقة بيان ما أبهم في هذه السورة فقال : { فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر } إلى قوله { وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة }الآية .

المسألة الثانية : عاد هو عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح ، ثم إنهم جعلوا لفظة عاد اسما للقبيلة كما يقال لبني هاشم هاشم ولبني تميم تميم ، ثم قالوا للمتقدمين من هذه القبيلة عاد الأولى قال تعالى : { وأنه أهلك عادا الأولى } وللمتأخرين عاد الأخيرة ، وأما إرم فهو اسم لجد عاد ، وفي المراد منه في هذه الآية أقوال : ( أحدها ) أن المتقدمين من قبيلة عاد كانوا يسمون بعاد الأولى فلذلك يسمون بإرم تسمية لهم باسم جدهم ( والثاني ) : أن إرم اسم لبلدتهم التي كانوا فيها ثم قبل تلك المدينة هي الإسكندرية وقيل دمشق ( والثالث ) : أن إرم أعلام قوم عاد كانوا يبنونها على هيئة المنارة وعلى هيئة القبور ، قال أبو الدقيش : الأروم قبور عاد ، وأنشد :

بها أروم كهوادي البخث *** . . .

ومن الناس من طعن في قول من قال : إن إرم هي الإسكندرية أو دمشق ، قال : لأن منازل عاد كانت بين عمان إلى حضرموت وهي بلاد الرمال والأحقاف ، كما قال : { واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف } وأما الإسكندرية ودمشق فليستا من بلاد الرمال .

المسألة الثالثة : إرم لا تنصرف قبيلة كانت أو أرضا للتعريف والتأنيث .