اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} (6)

قوله : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ } .

قرا العامة : «بعاد » : مصروفاً ، «إرم » بكسر الهمزة ، وفتح الراء ، والميم .

ف «عاد » اسم لرجل في الأصل ، ثم أطلق على القبيلة أو الحي ، وقد تقدم في الكلام عليه ، وأما : «إرَمَ » فقيل : اسم قبيلة . وقيل : اسم مدينة [ اختلفوا في تعيينها ، فقيل : «إسكندرية » ، وقيل : «دمشق » ، وهذان القولان ضعيفان ؛ لأنها منازل كانت من «عمان » إلى «حضرموت » ، وهي بلاد الرمال والأحقاف ، وأما «الإسكندرية » و «دمشق » ، فليستا من بلاد الرمال ]{[60081]} .

فإن كانت اسم قبيلة كانت بدلاً ، أو عطف بيان ، أو منصوبة بإضمار : «أعني » ، وإن كانت اسم مدينة ، فتعلق الإعراب من : «عاد » وتخريجه على حذف مضاف ، كأنه قيل : بعاد أهل إرم . قاله الزمخشري{[60082]} .

وهو حسن ، ويبعد أن يكون بدلاً من : «عاد » ، بدل اشتمال ، إذ لا ضمير ، وتقديره قلق وقد يقال : إنه لما كان المراد{[60083]} ب «عاد » : مدينتهم ؛ لأن «إرم » قائمة مقام ذلك ، صح البدل .

وإرَمَ : اسم جد عاد ، وهو عادُ بنُ عوصِ بنِ إرمَ بْنِ نوحٍ عليه الصلاة والسلام ؛ قال زهيرٌ : [ البسيط ]

5193- وآخَرينَ تَرَى المَاذيَّ عُدَّتهُمْ *** مِنْ نسْجٍ دَاوُد أوْ مَا أوْرثَتْ إرَمْ{[60084]}

وقال ابن قيس الرقيات : [ المنسرح ]

5194- مَجْداً تَلِيداً بَناهُ أوَّلهُ *** أدْركَ عاداً وقَبْلهَا إرَمَا{[60085]}

وقرأ الحسن{[60086]} : «عاد » غير مصروف .

قال أبُو حيَّان{[60087]} : مضافاً إلى «إرَمَ » ، فجاز أن يكون «إرَمَ » أباً ، أو جداً ، أو مدينة .

قال شهاب الدين{[60088]} : يتعين أن يكون في قراءة الحسن ، غير مضاف ، بل يكون كما كان منوناً ، ويكون «إرَمَ » بدلاً أو بياناً أو منصوباً بإضمارِ : أعني ، ولو كان مضافاً لوجب صرفه وإنما منع «عاد » اعتباراً بمعنى : القبيلة ، أو جاء على أحد الجائزين في : «هند » وبابه .

وقرأ الضحاكُ{[60089]} في رواية : «بِعادَ أرَمَ » ممنوع الصرف ، وفتح الهمزة من : «أرم » .

قال مجاهد : من قرأ بفتح الهمزة شبههم بالآرام التي هي الأعلام .

وعنه أيضاً : فتح الهمزة ، وسكون الراء ، وهو تخفيف «أرِم » بكسر الراء ، وهي لغة في اسم المدينة ، كما قرئ : { بِوَرِقْكُمْ } [ الكهف : 19 ] ، وهي قراءة ابن الزبير ، وعنه في : «عاد » مع هذه القراءة : الصرف وتركه .

وعنه - أيضاً - وعن ابن عباسٍ : «أرَمَّ » بفتح الهمزة والراء والميم المشددة جعلاه فعلاً{[60090]} ماضياً ، [ يقال : أرم العظم أي بَلِيَ ، وأرم وأرمه غيره ، فأفعل يكون لازماً ومتعدياً في هذا ]{[60091]} .

و«ذات » على هذه القراءة مجرورة صفة ل : «عاد » ويكون قد راعى لفظها تارة في قوله : «إرَمَ » ، فلم تلحق علامة التأنيث ، ويكون : «أرم » معترضاً بين الصفة والموصوف ، أي : أرمت هي ، بمعنى : رمَتْ وبَليتْ ، وهو دعاء عليهم ، ويجوز أن يكون فاعل : «أرم » ضمير الباري تعالى ، والمفعول محذوف ، أي : أرمها الله تعالى ، والجملة الدعائية معترضة - أيضاً - وراعى معناها أخرى في : «ذات » فأنث .

وروي عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : «ذاتَ » بالنَّصْب ، على أنها مفعول ب «أرم » وفاعل «أرم » ضمير يعود على الله - تعالى - ، أي : أرمها الله ، ويكون : «أرم » بدلاً من : «فعَل ربُّك » وتبييناً له .

وقرأ ابنُ الزُّبيرِ{[60092]} : «بعادِ أرمَ » بإضافة : «عاد » إلى : «أرمِ » مفتوح الهمزة مكسور الراء ، وقد تقدم أنه اسم مدينة .

/خ8


[60081]:سقط من ب.
[60082]:الكشاف 4/747.
[60083]:في أ المعنى.
[60084]:تقدم.
[60085]:ينظر الديوان ص 155، والكشاف 4/747، والقرطبي 20/31، والبحر 8/461، والدر المصون 6/519.
[60086]:ينظر: المحرر الوجيز 5/487، والكشاف 4/778، والبحر المحيط 8/464، والدر المصون 6/519.
[60087]:البحر المحيط 8/464.
[60088]:الدر المصون 6/519.
[60089]:ينظر: المحرر الوجيز 5/487، والبحر المحيط 8/464.
[60090]:ينظر : السابق، والدر المصون 6/519.
[60091]:سقط من ب.
[60092]:ينظر، المحرر الوجيز 5/478، البحر المحيط 8/464، والدر المصون 6/519.