تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ} (12)

{ 12 } { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }

لما ذكر حالة الأشقياء الفجار ، ذكر حالة السعداء الأبرار{[1175]}  فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ } أي : في جميع أحوالهم ، حتى في الحالة التي لا يطلع عليهم فيها إلا الله ، فلا يقدمون على معاصيه ، ولا يقصرون فيما أمر به{[1176]} { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ } لذنوبهم ، وإذا غفر الله ذنوبهم ؛ وقاهم شرها ، ووقاهم عذاب الجحيم ، ولهم أجر كبير ، وهو ما أعده لهم في الجنة ، من النعيم المقيم ، والملك الكبير ، واللذات [ المتواصلات ] ، والمشتهيات ، والقصور [ والمنازل ] العاليات ، والحور الحسان ، والخدم والولدان .

وأعظم من ذلك وأكبر ، رضا الرحمن ، الذي يحله الله على أهل الجنان{[1177]} .


[1175]:- في ب: ذكر وصف الأبرار السعداء.
[1176]:- في ب: ولا يقصرون عما أمرهم به.
[1177]:- في ب: الذي يحله على ساكني الجنان.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ} (12)

وكعادة القرآن الكريم فى قرنه الترغيب والترهيب أو العكس ، أخذت السورة في بيان حسن عاقبة المؤمنين ، بعد بيان سوء عاقبة الكافرين ، وفي لفت أنظار الناس إلى نعم الله - تعالى - عليهم ، لكي يشكروه ويخلصوا له العبادة . . قال تعالى : { إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ . . . } .

قوله : { يَخْشَوْنَ } من الخشية ، وهي أشد الخوف وأعظمه ، والغيب : مصدر غاب يغيب ، وكثيرا ما يستعمل بمعنى الغائب ، وهو ما لا تدركه الحواس ولا يعلم ببداهة العقل .

أي : إن الذين يخشون ربهم فيخافون عذابه ، ويعبدونه كأنهم يرونه ، مع أنهم لا يرونه بأعينهم . . هؤلاء الذين تلك صفاتهم ، لهم من خالقهم - عز وجل - مغفرة عظيمة ، وأجر بالغ الغاية فى الكبر والضخامة .

وقوله : { بالغيب } حال من الفاعل ، أي : غائبا عنهم ، أو من المفعول . أي : غائبين عنه . أي . يخشون عذابه دون أن يروه - سبحانه - .

ويجوز أن يكون المعنى : يخشون عذابه حال كونهم غائبين عن أعين الناس ، فهم يراقبونه - سبحانه - في السر ، كما يراقبونه فى العلانية ، كما قال الشاعر :

يتجنب الهفوات فى خلواته . . . عف السريرة ، غَيبُه كالمشهد

والحق أن هذه الصفة ، وهي خوف الله - تعالى - بالغيب ، على رأس الصفات التي تدل على قوة الإِيمان ، وعلى طهارة القلب ، وصفاء النفس . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ} (12)

يقول تعالى مخبرًا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائبًا عن الناس ، فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات ، حيث لا يراه أحد إلا الله ، بأنه له مغفرة وأجر كبير ، أي : يكفر عنه ذنوبه ، ويجازى بالثواب الجزيل ، كما ثبت في الصحيحين : " سبعة يظلهم الله تعالى في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله " ، فذكر منهم : " رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجلا تصدق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " {[29110]} .

وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا طالوت بن عباد ، حدثنا الحارث بن عبيد ، عن ثابت ، عن أنس قال : قالوا : يا رسول الله ، إنا نكون عندك على حال ، فإذا فارقناك كنا على غيره ؟ قال : " كيف أنتم وربكم ؟ " قالوا : الله ربنا في السر والعلانية . قال : " ليس ذلكم النفاق " {[29111]} .

لم يروه عن ثابت إلا الحارث بن عُبَيد فيما نعلمه .


[29110]:- (1) صحيح البخاري برقم (660) وصحيح مسلم برقم (1031) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
[29111]:- (2) مسند البزار برقم (52) "كشف الأستار" وقال الحافظ ابن حجر في مختصر الزوائد (1/67): "الحارث له مناكير وإن أخرج له في الصحيح".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ} (12)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } .

يقول تعالى ذكره : إن الذين يخافون ربهم بالغيب : يقول : وهم لم يرَوْه لَهَمْ مَغْفِرَةً يقول : لهم عفو من الله عن ذنوبهم وأجْرٌ كَبِيرٌ يقول : وثواب من الله لهم على خشيتهم إياه بالغيب جزيل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ} (12)

ثم وصف تعالى أهل الإيمان ، وهم { الذين يخشون ربهم } ، وقوله تعالى : { بالغيب } يحتمل معنيين ، أحدهما : { بالغيب } الذي أخبروا به من الحشر والصراط والميزان والجنة والنار ، فآمنوا بذلك ، وخشوا ربهم فيه ، ونحا إلى هذا قتادة . والمعنى الثاني : أنهم يخشون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس ، أي في خلواتهم ، ومنه تقول العرب : فلان سالم الغيب ، أي لا يضر ، فالمعنى يعملون بحسب الخشية في صلاتهم وعباداتهم وانفرادهم ، فالاحتمال الأول : مدح بالإخلاص والإيمان ، والثاني : مدح بالأعمال الصالحة في الخلوات ، وذلك أحرى أن يعملوها علانية .