السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ} (12)

ولما ذكر أصحاب السعير أتبعهم ذكر أضدادهم بقوله تعالى : { إن الذين يخشون } أي : يخافون { ربهم } أي : المحسن إليهم ، خوفاّ أرق قلوبهم وأرق أعينهم ، بحيث لا يقر لهم قرار من توقعهم العقوبة ، كلما ازدادوا طاعة ازدادوا خشية ، { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة } [ المؤمنون : 60 ] . { بالغيب } أي : حال كونهم غائبين عن عذابه سبحانه ، أو وعيده غائباً عنهم ، أو وهم غائبون عن أعين الناس ، فهم مع الناس يتكلمون وقلوبهم تتلظى بنيران الخوف وتتكلم بسيوف الهيبة ، فيتركون المعصية حيث لا يراهم أحد من الناس ، ولا يكون لهم هذا إلا برياضة عظيمة . فعلى العاقل أن يطوع نفسه لترجع مطمئنة بأن ترضى بالله رباً لتدخل في رق العبودية ، وبالإسلام ديناً ليصير غريقاً فيها ، فلا ينازع الملك في ردائه الكبرياء ، وإزاره العظمة ، وتاجه الجلال ، وحلته الجمال ، ولا ينازعه فيما يدبره من الشرائع ، ويظهره من المعارف ، ويحكم به على عبيده من قضائه وقدره . { لهم مغفرة } أي : عظيمة تأتي على جميع ذنوبهم ، { وأجر } أي : من فضل الله تعالى { كبير } يكون لهم به من الإكرام ما ينسيهم ما قاسوه في الدنيا من شدائد الإيلام ، ويصغر في جنبه لذائذ الدنيا العظام .