{ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ } أن من تمادى في العصيان ، وتجرأ على ال أذى ، ولم ينته منه ، فإنه يعاقب عقوبة بليغة . { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا } أي تغييرًا ، بل سنته تعالى وعادته ، جارية مع الأسباب المقتضية لأسبابها{[727]}
ثم بين - سبحانه - أن سنته قد اقتضت تأديب الفجار والفسقة حتى يقلعوا عن فجورهم وفسقهم فقال : { سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } وقوله : { سُنَّةَ } منصوب على أنه مصدر مؤكد . أى : سن الله - تعالى - ذلك سنة ، فى الأمم الماضة من قبلكم - أيها المؤمنون - بأن جعل تأديب الذين يسعون فى الأرض بالفاسد ، ويؤذون أهل الحق ، سنة من سننه التى لا تتخلف .
{ وَلَن تَجِدَ } - أيها الرسول الكريم - { لِسُنَّةِ الله } الماضية فى خلقه { تَبْدِيلاً } أو تحويلا ، لقيامها على الإِرادة الحكيمة ، والعدالة القويمة .
القول في تأويل قوله تعالى : { سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً } .
يقول تعالى ذكره : سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ هؤلاء المنافقين الذين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ضُرَباء هؤلاء المنافقين ، إذا هم أظهروا نفاقهم أن يُقَتّلَهُمْ تَقْتيلاً ، ويلعنهم لعنا كثيرا . وبنحو الذي قولنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ . . . الاَية ، يقول : هكذا سنة الله فيهم إذا أظهروا النفاق .
وقوله : وَلَنْ تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولن تجد يا محمد لسنة الله التي سنها في خلقه تغييرا ، فأيقن أنه غير مغير في هؤلاء المنافقين سنته .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ" هؤلاء المنافقين الذين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ضُرَباء هؤلاء المنافقين، إذا هم أظهروا نفاقهم أن يُقَتّلَهُمْ تَقْتيلاً، ويلعنهم لعنا كثيرا... وقوله: "وَلَنْ تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولن تجد يا محمد لسنة الله التي سنها في خلقه تغييرا، فأيقن أنه غير مغير في هؤلاء المنافقين سنته.
{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً}: يعني، والله أعلم، أن أحداً لا يقدر على تغيير سنة الله وإبطالها.
هذا ليس بدعا بكم، بل هو سنة جارية وعادة مستمرة تفعل بالمكذبين.
{ولن تجد لسنة الله تبديلا} أي ليست هذه السنة مثل الحكم الذي يبدل وينسخ، فإن النسخ يكون في الأحكام، أما الأفعال والأخبار فلا تنسخ.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ولن تجد} أي أزلاً وأبداً {لسنة الله} أي طريقة الملك الأعظم {تبديلاً *} كما تبدل سنن الملوك، لأنه لا يبدلها، ولا مداني له في العظمة ليقدر على تبديلها.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً} أصلاً لابتنائِها على أساسِ الحكمةِ التي عليها يدورُ فلكُ التَّشريع.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أن من تمادى في العصيان، وتجرأ على الأذى، ولم ينته منه، فإنه يعاقب عقوبة بليغة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
...و {الذين خلوا} الذين مَضَوا وتقدموا. والأظهر أن المراد بهم من سبقوا من أعداء النبي صلى الله عليه وسلم الذين أذنه الله بقتلهم مثل الذين قُتلوا من المشركين ومثل الذين قتلوا من يهود قريظة. وهذا أظهر لأن ما أصاب أولئك أوقع في الموعظة إذ كان هذان الفريقان على ذكر من المنافقين وقد شهدوا بعضهم وبلغهم خبر بعض.
ويحتمل أيضاً أن يشمل {الذين خلوا} الأممَ السالفة الذين غضب الله عليهم لأذاهم رسلهم فاستأصلهم الله تعالى مثل قوم فرعون وأضرابهم.
وذيل بجملة {ولن تجد لسنة الله تبديلاً} لزيادة تحقيق أن العذاب حائق بالمنافقين وأتباعهم إن لم ينتهوا عما هم فيه وأن الله لا يخالف سنته لأنها مقتضى حكمته وعلمه فلا تجري متعلقاتها إلا على سَنن واحد.
والمعنى: لن تجد لسنن الله مع الذين خَلَوْا من قبل ولا مع الحاضرين ولا مع الآتين تبديلاً. وبهذا العموم الذي أفاده وقوع النكرة في سياق النفي تأهلت الجملة لأن تكون تذييلاً.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ هذا التعبير يجسّد كون هذا التهديد حقيقياً وجدياً، ليعلموا أنّ هذا المطلب والمصير حتمي، وله جذوره ونظائره في التأريخ، ولا سبيل إلى تغييره وتبديله، فإمّا أن ينتهوا عن أعمالهم المخزية، أو أن ينتظروا هذا المصير المؤلم.
إنّ هذه التعبيرات تسلّي خواطر كلّ السائرين في طريق الحقّ، وتمنحهم الهدوء والطمأنينة من جهة، وتوضّح من جهة أخرى وحدة دعوة الأنبياء وانسجامها، وتناسق القوانين الحاكمة على نظام الخلقة ونظام الحياة الإنسانية واتّحادها، وهي في الحقيقة فرع من فروع التوحيد.