اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا} (62)

قوله : «مَلْعُونِينَ » حال من فاعل «يُجَاوِرُونَكَ » قاله ابن عطية{[43963]} ، والزمخشري{[43964]} وأبو البقاء{[43965]} ، قال ابن عطية لأنه بمعنى مُنَتَفَوْنَ منها مَلْعُونينَ{[43966]} ، وقال الزمخشري : دخل حرف الاستثناء على الحال والظرف معاً كما مر في قوله : { إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرِ }{[43967]} وتقدم بحث أبي حيان معه ، وهو عائد هنا{[43968]} ، وجوز الزمخشري أن ينتصب على الشَّتْم{[43969]} ؛ وجوز ابن عطية أن يكون بدلاً من{[43970]} «قليلاً » على أنه حال كما تقدم تقريره{[43971]} ، ويجوز أن يكون «ملعونين » نعتاً ، ل «قليلاً » على أنه منصوب على الاستثناء من واو «يجاورونك » كما تقدم تقريره ، أي لا يُجَاوِرُكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَلِيلاً ملعوناً ، ويجوز أن يكون منصوباً «بأُخِذُوا » الذي هو جواب الشرط ، وهذا عند الكسائي والفراء فإنهما يجيزان تقدم معمول الجواب على أداة الشرط نحو : خَيْراً إِنْ تَأْتِنِي تُصِبْ ، وقد منع الزمخشري من ذلك فقال : ولا يصح أن يَنْتَصِبَ «بأخذ » لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيها قبلها{[43972]} ، وهذا منه مشي على الجَارَّةِ ، وقوله ما بعد كلمة الشرط يشمل فعل الشرط والجواب ، فأما الجواب فتقدم حكمه وأما الشرط فأجاز الكسائيّ أيضاً تقديم معموله على الأداة ، نحو : «زَيْداً إنْ تَضْرِبْ أُهِنْكَ »{[43973]} فتلخص في المسألة ثلاثة مذاهب المنع مطلقاً ، الجواز مطلقاً ، التفصيل يجوز تقديم معمولي الجواب ، ولا يجوز تقديم معمولي الشرط وهو رأي الفراء .

قوله : «وَقُتِّلُوا » العامة على التشديد ، وقرئ بالتخفيف{[43974]} . وهذه يردها مجيء المصدر على التفعيل إلا أن يقال : جاء على غير مصدره{[43975]} ، وقوله : «سُنَّةَ اللَّهِ » تقدم نظيرها .

قوله{[43963]} : «مَلْعُونينَ » مطرودين من باب الله وبابك ، وإذا خرجوا لا يَنْفَكُّونَ عن الذلة ولا يجدون ملجأً بل أينما يكونون يؤخذون ويقتلون ، وهذا ليس بِدْعاً بل هو سنة جارية وعادة مستمرة تفعل بالمكذبين { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً } أي ليست هذه السنة مثل الحكم الذي يتبدل وينسخ فإن النسخ يكون في الأقوال أما الأفعال إذا وقعت والأخبار لا تنسخ .


[43963]:المرجع الأخير السابق.
[43964]:الكشاف 3/274 و 275.
[43965]:التبيان 1060.
[43966]:في البحر 7/251 قال: -أي ابن عطية- "كأنه قال: ينتفون من المدينة ملعونين".
[43967]:الكشاف 3/275.
[43968]:فقد قال أبو حيان بأنه لا يقع بعد "إلا" في الاستثناء إلا المستثنى منه أو صفته ولا يجوز في ما عدا هذا عند الجمهور، وقد أجاز ذلك الكسائي والأخفش وأجازوا: ما قام القوم إلا يوم الجمعة ضاحكينَ وقد تعرضت لتلك القضية بالتفصيل عند الآية "53" من تلك السورة.
[43969]:الكشاف 3/274.
[43970]:نقله عنه أبو حيان في بحره 7/251.
[43971]:وممن قال بحاليته أيضاً مكي في مشكل إعراب القرآن وقد أجاز النصب على الذم والشتم أيضاً كالزمخشري، انظر: المشكل 2/202 وقال بهذين القولين أيضاً ابن الأنباري في بيانه 2/272 و 273.
[43972]:انظر: الكشاف 3/275.
[43973]:هذا انطباع من المؤلف يشبه انطباع أبي حيان والسمين في كل من البحر والدر وانظر: البحر 7/251 والدر 4/403.
[43974]:نقل هذه القراءة أبو حيان في البحر 7/251 وقد جعلها صاحب شواذ القرآن عربية ولم يثبتها قراءة انظر: الشواذ 195.
[43975]:البحر المحيط 7/251 والدر المصون 4/404.