تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (114)

{ 114 - 118 } { فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .

يأمر تعالى عباده بأكل ما رزقهم الله من الحيوانات والحبوب والثمار وغيرها . { حَلَالًا طَيِّبًا } ، أي : حالة كونها متصفة بهذين الوصفين بحيث لا تكون مما حرم الله أو أثرا عن غصب ونحوه . فتمتعوا بما خلق الله لكم من غير إسراف ولا تَعَدٍّ . { وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ } ، بالاعتراف بها بالقلب ، والثناء على الله بها ، وصرفها في طاعة الله . { إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } ، أي : إن كنتم مخلصين له العبادة ، فلا تشكروا إلا إياه ، ولا تنسوا المنعم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (114)

والفاء في قوله : { فكلوا . . . } ، للتفريع على ما تقدم من التمثيل بالقرية التي كفرت بأنعم الله ، والتي أصابها ما أصابها بسبب ذلك :

أي : لقد ظهر لكم حال الذين بدلوا نعمة الله كفرا ، ورأيتم كيف أذاقهم الله لباس الجوع والخوف ، فاحذروا أن تسيروا على شاكلتهم ، وكلوا من الحلال الطيب الذي رزقكم الله - تعالى - إياه .

واشكروا نعمة الله التي أنعم بها عليكم ، بأن تستعملوها فيما خلقت له ، وبأن تقابلوها بأسمى ألوان الطاعة لمسديها - عز وجل - .

{ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهَُ } ، سبحانه - تعبدونه حق العبادة ، وتطيعونه حق الطاعة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (114)

112

وفي ظل هذا المثل الذي تخايل فيه النعمة والرزق ، كما يخايل فيه المنع والحرمان ، يأمرهم بالأكل مما أحل لهم من الطيبات وشكر الله على نعمته إن كانوا يريدون أن يستقيموا على الإيمان الحق بالله ، وأن يخلصوا له العبودية خالصة من الشرك ، الذي يوحي إليهم بتحريم بعض الطيبات على أنفسهم باسم الآلهة المدعاة :

( فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ، واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون ) .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (114)

وقوله : { فكلوا مما رزقكم الله } ، الآية ، هذا ابتداء كلام آخر ، ومعنى حكم ، والفاء في قوله : { فكلوا } الصلة الكلام واتساق الجمل ، خرج من ذكر الكافرين والميل عليهم إلى أمر المؤمنين بشرع ما فوصل الكلام بالفاء وليست المعاني موصولة ، هذا قول ، والذي عندي أن الكلام متصل المعنى ، أي : وأنتم المؤمنون لستم كهذه القرية ، { فكلوا } واشكروا الله على تباين حالكم من حال الكفرة ، وهذه الآية هي بسبب أن الكفار كانوا سنوا في الأنعام سنناً وحرموا بعضاً وأحلوا بعضاً ، فأمر الله تعالى المؤمنين بأكل جميع الأنعام التي رزقها الله عباده . وقوله : { حلالاً } ، حال ، وقوله : { طيباً } ، أي : مستلذاً ، ووقع النص في هذا على المستلذات ، ففيه ظهور النعمة ، وهو عظم النعم وإن كان الحلال قد يكون غير مستلذ ، ويحتمل أن يكون الطيب بمعنى الحلال ، وكرره مبالغة وتوكيداً ، وباقي الآية بين ، قوله : { إن كنتم إياه تعبدون } ، إقامة للنفوس ، كما تقول لرجل : إن كنت من الرجال فافعل كذا ، على معنى إقامة نفسه ، وذكر الطبري : أن بعض الناس قال : نزلت هذه الآية خطاباً للكافر عن طعام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إليهم في جوعهم ، وأنحى الطبري على هذا القول ، وكذلك هو فاسد من غير وجه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (114)

تفريع على الموعظة وضرببِ المثل ، وخوطب به فريق من المسلمين كما دلّ عليه قوله : { إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة } [ سورة النحل : 114 ، 115 ] إلى آخره .

ولعلّ هذا موجّه إلى أهل هجرة الحبشة إذ أصبحوا آمنين عند ملك عادل في بلد يَجدون فيه رزقاً حلالاً وهو ما يُضافون به وما يكتسبونه بكدّهم ، أيْ إذا علمتم حال القرية الممثّل بها أو المعرّض بها فاشكروا الله الذي نجّاكم من مثل ما أصاب القرية ، فاشكروا الله ولا تكفروه كما كفر بنعمته أهل تلك القرية . فقوله : { واشكروا نعمت الله } مقابل قوله في المثل : { فكفرت بأنعم الله } [ سورة النحل : 112 ] إن كنتم لا تعبدون غيره كما هو مقتضى الإيمان .

وتعليق ذلك بالشرط للبعث على الامتثال لإظهار صدق إيمانهم .

وإظهار اسم الجلالة في قوله : { واشكروا نعمت الله } مع أن مقتضى الظاهر الإضمار لزيادة التذكير ، ولتكون جملة هذا الأمر مستقلّة بدلالتها بحيث تصحّ أن تجري مجرى المثل .

وقيل : هذه الآية نزلت بالمدينة ( والمعنى واحد ) وهو قول بعيد .

والأمر في قوله : { فكلوا } للامتنان . وإدخال حرف التفريع عليه باعتبار أن الأمر بالأكل مقدمة للأمر بالشكر وهو المقصود بالتّفريع . والمقصود : فاشكروا نعمة الله ولا تكفروها فيحلّ بكم ما حلّ بأهل القرية المضروبة مثلاً .

والحلال : المأذون فيه شرعاً . والطيّب : ما يطيب للناس طعمه وينفعهم قُوتهُ .