ومن مظاهر ذلك أنهم { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ } أى : كل أمة من أمم الكفر تلك ، عصت رسولها حين أمرها بالمعروف ، ونهاها عن المنكر .
فكانت نتيجة إصرارهم على ارتكاب المعاصى والفواحش . . أن أخذهم الله - تعالى - { أَخْذَةً رَّابِيَةً } أى : أخذة زائدة فى الشدة - لزيادة قبائحهم - على الأخذات التى أخذ بها غيرهم .
فقوله : { رَّابِيَةً } مأخوذ من ربا الشئ إذا زاد وتضاعف .
وقال - سبحانه - { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ } ولم يقل رسولهم ، للإِشعار بأنهم لم يكتفوا بمعصية الرسول الذى هو بشر مثلهم ، وإنما تجاوزوا ذلك إلى الاستخفاف بما جاءهم به من عند ربهم وخالقهم وموجدهم .
والتعبير بالأخذ ، للإِشعار بسرعة الإِهلاك وشدته ، فإذا وصف هذا الأخذ بالزيادة عن المألوف ، كان المقصود به الزيادة فى الاعتبار والاتعاظ لأن هؤلاء جميعا قد أهلكهم - سبحانه - هلاك الاستئصال ، الذى لم يبق منهم باقية .
( فعصوا رسول ربهم ) . . وهم عصوا رسلا متعددين ؛ ولكن حقيقتهم واحدة ، ورسالتهم في صميمها واحدة . فهم إذن رسول واحد ، يمثل حقيقة واحدة - وذلك من بدائع الإشارات القرآنية الموحية - وفي إجمال يذكر مصيرهم في تعبير يلقي الهول والحسم حسب جو السورة : ( فأخذهم أخذة رابية ) . . والرابية العالية الغامرة الطامرة . لتناسب( الطاغية )التي أخذت ثمود( والعاتية )التي أخذت عادا ، وتناسب جو الهول والرعب في السياق بدون تفصيل ولا تطويل !
وقوله تعالى : { فعصوا رسول ربهم } يحتمل أن يكون الرسول : اسم جنس كأنه قال : فعصا هؤلاء الأقوام والفرق أنبياء الله الذين أرسلهم إليهم ، ويحتمل أن يكون الرسول بمعنى : الرسالة ، وقال الكلبي : يعني موسى ، وقال غيره في كتاب الثعلبي : يعني لوطاً والرابية : النامية التي قد عظمت جداً ، ومنه ربا المال ، ومنه الربا ، ومنه اهتزت وربت{[11280]} .
وضمير ( عصوا ) يجوز أن يرجع إلى { فرعون } باعتباره رأس قومه ، فالضمير عائد إليه وإلى قومه ، والقرينة ظاهرة على قراءة الجمهور ، وإما على قراءة أبي عمرو والكسائي فالأمر أظهر وعلى هذا الاعتبار في محل ضمير ( عصوا ) يكون المراد ب { رسول ربّهم } موسى عليه السلام . وتعريفه بالإِضافة لما في لفظ المضاف إليه من الإِشارة إلى تخطئتهم في عبادة فرعون وجعلهم إياه إلها لهم .
ويجُوز أن يرجع ضمير ( عصوا ) إلى { فرعون ومَن قبله والمؤتفكات .
و{ رسول ربّهم } هو الرسول المرسل إلى كل قوم من هؤلاء .
فإفراد { رسول } مراد به التوزيع على الجماعات ، أي رسول الله لكل جماعة منهم ، والقرينة ظاهرة ، وهو أجمل نظماً من أن يقال : فعصوا رسُل ربّهم ، لما في إفراد { رسول } من التفنن في صيغ الكلم من جمع وإفراد تفادياً من تتابع ثلاثة جموع لأن صيغ الجمع لا تخلو من ثقل لقلة استعمالها وعكسه قوله في سورة الفرقان ( 37 ) { وقومَ نوح لمّا كذَّبوا الرُسل أغرقناهم } ، وإنما كذبوا رسولاً واحداً ، وقوله : { كذبت قوم نوح المرسلين } وما بعده في سورة الشعراء ( 105 ) ، وقد تقدم تأويل ذلك في موضعه .
والأخذ : مستعمل في الإِهلاك ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } في سورة الأنعام ( 44 ) وفي مواضع أخرى .
و{ أخْذَةً } : واحدة من الأخذ ، فيراد بها أخذ فرعون وقومه بالغرق ، كما قال تعالى : { فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر } [ القمر : 42 ] ، وإذا أعيد ضمير الغائب إلى { فرعون ومن قبله والمؤتفكات } كان إفراد الأخذة كإفراد { رسول ربّهم ، } أي أخذنا كل أمة منهم أخذة .
والرابية : اسم فاعل من ربَا يَربو إذا زاد فلما صيغ منه وزن فاعلة ، قلبت الواو ياء لوقوعها متَحركة إثر كسرة .
واستعير الرُّبُوّ هنا للشدة كما تستعار الكثرة للشدة في نحو قوله تعالى : { وادعوا ثبوراً كثيراً } [ الفرقان : 14 ] .
والمراد بالأخذة الرابية : إهلاك الاستئصال ، أي ليس في إهلاكهم إبقاء قليل منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.