ثم وبخهم - سبحانه - على غفلتهم وعلى عدم التفاتهم إلى ما في هذا الكون من عظات وعبر . فقال - تعالى - : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الأرض كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } .
والاستفهام للإنكار والتوبيخ ، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام .
أى : أعمى هؤلاء الجاحدون عن مظاهر قدرة الله - تعالى - ورحمته بهم ، ولم يروا بأعينهم كيف أخرجنا النبات من الأرض ، وجعلنا فيها أصنافا وأنواعا لا تحصى من النباتات الكريمة الجميلة المشتملة على الذكر والأنثى .
فالآية الكريمة توبيخ لهم على إعراضهم عن الآيات التكوينية ، بعد توبيخهم على إعراضهم عن الآيات التنزيلية ، وتحريض لهم على التأمل فيما فوق الأرض من نبات مختلف الأنواع والأشكال والثمار . لعل هذا التأمل ينبه حسهم الخامد وذهنهم البليد وقلبهم المطموس .
قال صاحب الكشاف : " وصف الزوج - وهو الصنف من النبات - بالكرم ، والكريم : صفة لكل ما يرضى ويحمد فى بابه . يقال : وجه كريم إذا رضى فى حسنه وجماله ، وكتاب كريم . أى : مرضى فى معانيه وفوائده . . . . والنبات الكريم : المرضى فيما يتعلق به من المنافع .
فإن قلت : ما معنى الجمع بين كم وكل ؟ قلت : قد دل { كُلِّ } على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل . و { كَمْ } على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة ، فهذا معنى الجمع بينهما ، وبه نبه على كمال قدرته . . . " .
وإنهم يطلبون آية خارقة ؛ ويغفلون عن آيات الله الباهرة فيما حولهم ؛ وفيها الكفاية للقلب المفتوح والحس البصير ؛ وكل صفحة من صفحات هذا الكون العجيب آية تطمئن بها القلوب .
أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم ? إن في ذلك لأية ، وما كان أكثرهم مؤمنين . .
ومعجزة إخراج النبات الحي من الأرض ، وجعله زوجا ذكرا وأنثى ، إما منفصلين كما في بعض فصائل النبات ، وإما مجتمعين كما هو الغالب في عالم النبات ، حيث تجتمع أعضاء التذكير وأعضاء التأنيث في عود واحد . . هذه المعجزة تتكرر في الأرض حولهم في كل لحظة : ( أو لم يروا ! )والأمر لا يحتاج إلى أكثر من الرؤية ?
والمنهج القرآني في التربية يربط بين القلب ومشاهد هذا الكون ؛ وينبه الحس الخامد ، والذهن البليد ، والقلب المغلق ، إلى بدائع صنع الله المبثوثة حول الإنسان في كل مكان ؛ كي يرتاد هذا الكون الحي بقلب حي ؛ يشاهد الله في بدائع صنعه ، ويشعر به كلما وقعت عينه على بدائعه ؛ ويتصل به في كل مخلوقاته ؛ ويراقبه وهو شاعر بوجوده في كل لحظة من لحظات الليل والنهار . ويشعر أنه هو واحد من عباده ، متصل بمخلوقاته ، مرتبط بالنواميس التي تحكمهم جميعا . وله دوره الخاص في هذا الكون ، وبخاصة هذه الأرض التي استخلف فيها :
( أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم ) . .
كريم بما فيه من حياة ، صادرة من الله الكريم . . واللفظ يوحي إلى النفس باستقبال صنع الله بما يليق من التكريم والحفاوة والاحتفال ؛ لا بالاستهانة والغفلة والإغفال . .
ولما كان إعراضهم عن النظر في الصانع والإله من أعظم كفرهم وكانوا يجعلون الأصنام آلهة ويعرضون عن الذكر في ذلك ، نبه على قدرة الله وأنه الخالق المنشىء الذي يستحق العبادة بقوله { أو لم يروا إلى الأرض } الآية ، و «الزوج » النوع والصنف ، و «الكريم » الحسن المتقن قاله مجاهد وقتادة ، ويراد الأشياء التي بها قوام الأمور والأغذية والنباتات ، ويدخل في ذلك الحيوان لأنه عن إنبات ومنه قوله تعالى : { والله أنبتكم من الأرض نباتاً }{[8909]} [ نوح : 17 ] . قال الشعبي الناس من نبات الأرض فمن صار إلى الجنة فهو كريم ومن صار إلى النار فبضد ذلك
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.