فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَمۡ أَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (7)

ثم ذكر سبحانه ما يدل على كمال قدرته من الأمور الحسية ، التي يحصل بها للمتأمل فيها ، والناظر إليها ، والمستدل بها أعظم دليل ، وأوضح برهان ، وبيّن أنه أظهر لهم أدلة تحدث في الأرض وقتا بعد وقت تدل على توحيده ، ومع ذلك استمر أكثرهم على الكفر فقال :

{ أَوَلَمْ يَرَوْا } الهمزة للتوبيخ ، والواو للعطف على مقدر ، كما في نظائره { إِلَى الْأَرْضِ } أي : إلى عجائبها وبيّن بعضها بقوله { كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا } أي : كثيرا { مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } فنبه سبحانه على عظمته وقدرته ، وأن هؤلاء المكذبين المستهزئين لو نظروا حق النظر لعلموا أنه سبحانه الذي يستحق أن يعبد ، والمراد بالزوج هنا الصنف والنوع ، وقال الفراء : هو اللون . وقال الزجاج : زوج نوع ، وكريم محمود . والمعنى من كل زوج نافع ، لا يقدر على إنباته إلا رب العالمين ، إذ ما من نبت إلا وله النفع . والكريم في الأصل الحسن الشريف ، يقال : نخلة كريمة ، أي : كثيرة الثمرة ، ورجل كريم ، شريف فاضل ، وكتاب كريم ، إذا كان مرضيا في معانيه ، والنبات الكريم هو المرضي في منافعه .

قال الشعبي : الناس مثل نبات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم ، ومن صار منهم إلى النار فهو لئيم . وفائدة الجمع بين كلمتي الكثرة والإحاطة أم كلمة كل تدل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل ، و ( كم ) تدل على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة ، وبه نبه على كمال قدرته . قاله الزمخشري ، وإليه أشار في التقرير .