تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ} (8)

{ وَوَجَدَكَ عَائِلًا } أي : فقيرًا { فَأَغْنَى } بما فتح الله عليك{[1451]}  من البلدان ، التي جبيت لك أموالها وخراجها .

فالذي أزال عنك هذه النقائص ، سيزيل عنك كل نقص ، والذي أوصلك إلى الغنى ، وآواك ونصرك وهداك ، قابل نعمته بالشكران .


[1451]:- في ب: فأغناك الله بما فتح عليك.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ} (8)

وقوله - سبحانه - : { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى } بيان لنعمة ثالثة من نعمه - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم .

وأصل العائل : الإِنسان الذى له عائلة لا يستطيع الإِنفاق عليها ، ثم أطلق هذا اللفظ على الإِنسان الفقير حتى ولو لم تكن له عائلة أو أسرة ، والفقر يسمى عيلة ، كما فى قوله - تعالى - : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } - أى : فقرا - { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ . . . } أى : وقد كنت - أيها الرسول الكريم - فقيرا ، حيث مات أبوك دون أن يترك لك مالا كثيرا ، ونشأت فى كنف جدك ثم عمك ، وأنت على هذه الحال ، ثم أغناك الله - تعالى - بفضله وكرمه بنوعين من الغنى :

أما أولهما - وهو الأعظم - : فهو غنى النفس ، بأن منحك نفسا عفيفة قانعة بما أعطاك - سبحانه - من رزق ، حتى ولو كان كفافا .

وأما ثانيهما : فهو الغنى المادى عن الاحتياج إلى الناس ، بما أجراه على يديك من الربح فى التجارة ، وبما وهبتك زوجك خديجة من مالها ، فعشت مستور الحال ، غير محتاج إلى من ينفق عليك .

وهكذا نجد الآيات الكريمة تبين لنا أن من فضل الله - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم أنه آواه فى يتمه وصغره ، وهداه من ضلاله وحيرته ، وأغناه بعد فقره وحاجته .

وبعد أن عدد - سبحانه - هذه النعم لنبيه صلى الله عليه وسلم أمره بشكرها ، وأداء حقوقها .

فقال - تعالى - : { فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ . . }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ} (8)

ولقد كنت فقيرا فأغنى الله نفسك بالقناعة ، كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك [ خديجة رضي الله عنها ] عن أن تحس الفقر ، أو تتطلع إلى ما حولك من ثراء !

ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد ، منحرفة السلوك والأوضاع ، فلم تطمئن روحك إليها . ولكنك لم تكن تجد لك طريقا واضحا مطمئنا . لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا وتاهوا . . ثم هداك الله بالأمر الذي أوحي به إليك ، وبالمنهج الذي يصلك به .

والهداية من حيرة العقيدة وضلال الشعاب فيها هي المنة الكبرى ، التي لا تعدلها منة ؛ وهي الراحة والطمأنينة من القلق الذي لا يعدله قلق ؛ ومن التعب الذي لا يعدله تعب ، ولعلها كانت بسبب مما كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعانيه في هذه الفترة ، من انقطاع الوحي وشماتة المشركين ووحشة الحبيب من الحبيب . فجاءت هذه تذكره وتطمئنه على أن ربه لن يتركه بلا وحي في التيه وهو لم يتركه من قبل في الحيرة والتيه !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ} (8)

ووجدك عائلا فقيرا ذا عيال فأغنى بما حصل لك من ربح التجارة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ} (8)

والعائل الفقير ، وقرأ اليماني «عيَّلاً » بشد الياء المكسورة ومنه قول الشاعر [ أحيحة ] : [ الوافر ]

وما يدري الفقير متى غناه . . . وما يدري الغني متى يعيل{[11875]}

وأعال : كثر عياله ، وعال : افتقر ، ومنه قول الله تعالى : { وإن خفتم عيلة }{[11876]} [ التوبة : 28 ] وقوله تعالى : { فأغنى } قال مقاتل معناه رضاك بما أعطاك من الرزق ، وقيل فقيراً إليه فأغناك به ، والجمهور على أنه فقر المال وغناه ، والمعنى في النبي صلى الله عليه وسلم أنه أغني بالقناعة والصبر وحببا إليه فقر الحال وغناه ، وقيل أغني بالكفاف لتصرفه في مال خديجة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قط كثير المال ورفعه الله عن ذلك ، وقال : «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكنه غنى النفس »{[11877]} .


[11875]:هذا واحد من أبيات قالها أحيحة بن الجلاح، وهو في معاني القرآن، والجمهرة، واللسان، ومجاز القرآن: فهل من كاهن أو ذي إله إذا ما كان من ربي قفول أراهنه فيرهنني بنيه وأرهنه بني بما أقول وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل وما تدري إذا أزمعت أمرا بأي الأرض يدركك المقيل
[11876]:من الآية 28 من سورة التوبة.
[11877]:أخرجه البخاري في الرقاق، ومسلم في الزكاة، والترمذي وابن ماجه في الزهد، وأحمد في مسنده (2/243، 261، 315، 390). عن أبي هريرة رضي الله عنه.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ} (8)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

ووجدك فقيرا فأغناك ، يقال منه : عال فلان يَعيل عَيْلَة ، وذلك إذا افتقر . ...

جهود ابن عبد البر في التفسير 463 هـ :

لم يكن غناه- صلى الله عليه وسلم- أكثر من إيجاد قوت سنة لنفسه وعياله ، وكان الغنى كله في قلبه ، ثقة بربه ، وسكونا إلى أن الرزق مقسوم يأتيه منه ما قدر له . ( س : 8/141 ) ...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

ويقال : أغناك عن السؤال حينما أعطاك ابتداءً ؛ بلا سؤالٍ منك ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

قوله تعالى : { فأغنى } قال مقاتل معناه: رضاك بما أعطاك من الرزق ، وقيل فقيراً إليه فأغناك به ، والجمهور على أنه فقر المال وغناه ، والمعنى في النبي صلى الله عليه وسلم أنه أغني بالقناعة والصبر وحببا إليه فقر الحال وغناه ، وقيل أغني بالكفاف لتصرفه في مال خديجة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قط كثير المال ورفعه الله عن ذلك... .

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... وههنا سؤالات :

السؤال الأول : ما الحكمة في أنه تعالى اختار له اليتم ؟

قلنا: فيه وجوه:

( أحدها ) : أن يعرف قدر اليتامى فيقوم بحقهم وصلاح أمرهم ...

( وثانيها ) : ليكون اليتيم مشاركا له في الاسم فيكرم لأجل ذلك ...

( وثالثها ) : أن من كان له أب أو أم كان اعتماده عليهما ، فسلب عنه الولدان حتى لا يعتمد من أول صباه إلى آخر عمره على أحد سوى الله ...

( ورابعها ) : أن العادة جارية بأن اليتيم لا تخفى عيوبه بل تظهر ، وربما زادوا على الموجود فاختار تعالى له اليتم ، ليتأمل كل أحد في أحواله ، ثم لا يجدوا عليه عيبا فيتفقون على نزاهته ، فإذا اختاره الله للرسالة لم يجدوا عليه مطعنا.

( وخامسها ) : جعله يتيما ليعلم كل أحد أن فضيلته من الله ابتداء، لأن الذي له أب ، فإن أباه يسعى في تعليمه وتأديبه.

( وسادسها ) : أن اليتم والفقر نقص في حق الخلق ، فلما صار محمد عليه الصلاة والسلام ، مع هذين الوصفين أكرم الخلق ، كان ذلك قلبا للعادة ، فكان من جنس المعجزات .

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

في الآية إشارة إلى أن الإيواء والهدى والغنى من الله لإسنادها هنا للَّه تعالى . ولكن في السياق لطيفة دقيقة ، وهي معرض التقرير ، يأتي بكاف الخطاب : ألم يجدك يتيماً ، ألم يجدك ضالاً ، ألم يجدك عائلاً ، لتأكيد التقرير ، لم يسند اليتم ولا الإضلال ولا الفقر للَّه ، مع أن كله من اللَّه ، فهو الذي أوقع عليه اليتم ، وهو سبحانه الذي منه كلما وجده عليه ، ذلك لما فيه من إيلام له ، فما يسنده للَّه ظاهراً ، ولما فيه من التقرير عليه أبرز ضمير الخطاب . وفي تعداد النعم : فآوى ، فهدى ، فأغنى . أسند كله إلى ضمير المنعم ، ولم يبرز ضمير الخطاب . قال المفسرون : لمراعاة رؤوس الآي والفواصل ، ولكن الذي يظهر واللَّه تعالى أعلم : أنه لما كان فيه امتنان ، وأنها نعم مادية لم يبرز الضمير لئلا يثقل عليه المنة ، بينما أبرزه في : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ 2 وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } ، ورفعنا لك ذكرك . لأنها نعم معنوية ، انفرد بها صلى الله عليه وسلم . واللَّه تعالى أعلم . ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ولا يتصورنّ أحد أنّ تفسير الآيات بظاهرها يحط من مكانة النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أو يضفي عليه صفات سلبية من قبل الباري تعالى ، بل إنّها في الواقع بيان ما أغدق اللّه على نبيّه من ألطاف وإكرام واحترام ...