تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ} (3)

{ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ } وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فائدة ، { مُعْرِضُونَ } رغبة عنه ، وتنزيها لأنفسهم ، وترفعا عنه ، وإذا مروا باللغو مروا كراما ، وإذا كانوا معرضين عن اللغو ، فإعراضهم عن المحرم من باب أولى وأحرى ، وإذا ملك العبد لسانه وخزنه -إلا في الخير- كان مالكا لأمره ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين وصاه بوصايا قال : " ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ " قلت : بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسان نفسه وقال : " كف عليك هذا " فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة ، كف ألسنتهم عن اللغو والمحرمات .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ} (3)

وقوله - سبحانه - : { والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ } بيان لصفة ثانية من صفات هؤلاء المؤمنين .

واللغو : ما لا فائدة فيه من الأقوال والأعمال . فيدخل فيه اللهو والهزل وكل ما يخل بالمروءة وبآداب الإسلام .

أى : أن صفات هؤلاء المؤمنين أنهم ينزهون أنفسهم عن الباطل والساقط من القول أو الفعل ، ويعرضون عن ذلك فى كل أوقاتهم لأنهم لحسن صلتهم بالله - تعالى - اشتغلوا بعظائم الأمور وجليلها : لا بحقيرها وسفسافها ، وهم كما وصفهم الله - سبحانه - فى آية أخرى : { وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ } { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ} (3)

2

( والذين هم عن اللغو معرضون ) . . لغو القول ، ولغو الفعل ، ولغو الاهتمام والشعور . إن للقلب المؤمن ما يشغله عن اللغو واللهو والهذر . . له ما يشغله من ذكر الله ، وتصور جلاله وتدبر آياته في الأنفس والآفاق . وكل مشهد من مشاهد الكون يستغرق اللب ، ويشغل الفكر ، ويحرك الوجدان . . وله ما يشغله من تكاليف العقيدة : تكاليفها في تطهير القلب ، وتزكية النفس وتنقية الضمير . وتكاليفها في السلوك ، ومحاولة الثبات على المرتقى العالي الذي يتطلبه الإيمان . وتكاليفها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وصيانة حياة الجماعة من الفساد والانحراف . وتكاليفها في الجهاد لحمايتها ونصرتها وعزتها ، والسهر عليها من كيد الأعداء . . وهي تكاليف لا تنتهي ، ولا يغفل عنها المؤمن ، ولا يعفي نفسه منها ، وهي مفروضة عليه فرض عين أو فرض كفاية . وفيها الكفاية لاستغراق الجهد البشري والعمر البشري . والطاقة البشرية محدودة . وهي إما أن تنفق في هذا الذي يصلح الحياة وينميها ويرقيها ؛ وإما أن تنفق في الهذر واللغو واللهو . والمؤمن مدفوع بحكم عقيدته إلى انفاقها في البناء والتعمير والإصلاح .

ولا ينفي هذا أن يروح المؤمن عن نفسه في الحين بعد الحين . ولكن هذا شيء آخر غير الهذر واللغو والفراغ . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ} (3)

وقال{[20461]} : { وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } أي : عن الباطل ، وهو يشمل : الشرك - كما قاله بعضهم - والمعاصي - كما قاله آخرون - وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال ، كما قال تعالى : { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } [ الفرقان : 72 ] .

قال قتادة : أتاهم والله من أمر الله ما وقَذَهم عن ذلك .


[20461]:- في أ : "وقوله".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ} (3)

العطف من عطف الصفات لموصوف واحد كقول بعض الشعراء وهو من شواهد النحو :

إلى المَلِكِ القرْم وابنِ الهُمام *** وليث الكتيبة في المزدحم

وتكرير الصفات تقوية للثناء عليهم .

والقول في تركيب جملة { هم عن اللغو معرضون } كالقول في { هم في صلاتهم خاشعون } [ المؤمنون : 2 ] ، وكذلك تقديم { عن اللغو } على متعلقه .

وإعَادَةُ اسم الموصول دون اكتفاء بعطف صلة على صلة للإشارة إلى أن كل صفة من الصفات موجبة للفلاح فلا يتوهم أنهم لا يفلحون حتى يجمعوا بين مضامين الصلاة كلها ، ولما في الإظهار في مقام الإضمار من زيادة تقرير للخبر في ذهن السامع .

واللغو : الكلام الباطل . وتقدم في قوله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } في البقرة ( 225 ) ، وقوله : { لا يسمعون فيها لغواً } في سورة مريم ( 62 ) .

والإعراض : الصد أي عدم الإقبال على الشيء ، من العُرض بضم العين وهو الجانب ، لأن من يترك الشيء يوليه جانبه ولا يقبل عليه فيشمل الإعراضُ إعْرَاضَ السمع عن اللغو ، وتقدم عند قوله : { فَأعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ } في سورة النساء ( 63 ) ، وقوله : { وإذَا رَأيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأعْرِضْ عَنْهُمْ } في سورة الأنعام ( 68 ) ، وأهمه الإعراض عن لغو المشركين عند سماع القرآن { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغَوْا فِيهِ لعلكم تغلبون } [ فصلت : 26 ] وقال تعالى : { وإذا مَرّوا باللَّغْوِ مَرّوا كِراماً } [ الفرقان : 72 ] . ويشمل الإعراض عن اللغو بالألسنة ، أي أن يَلْغُوا في كلامهم .

وعقب ذكر الخشوع بذكر الإعراض عن اللغو لأن الصلاة في الأصْل الدعاء ، وهو من الأقوال الصالحة ، فكان اللغو مما يخطر بالبال عند ذكر الصلاة بجامع الضدية ، فكان الإعراض عن اللغو بمعنَيي الإعراض مما تقتضيه الصلاة والخشوع لأن من اعتاد القول الصالح تجنب القول الباطل ومن اعتاد الخشوع لله تجنب قول الزور ، وفي الحديث « إنّ العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم » .

والإعراض عن جنس اللغو من خُلق الجِدِّ ومن تخلق بالجد في شؤونه كملت نفسه ولم يصدر منه إلاّ الأعمال النافعة ، فالجد في الأمور من خلق الإسلام كما أفصح عن ذلك قول أبي خراش الهذلي بذكر الإسلام :

وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل*** سوى العَدل شيئاً فاستراح العواذل

والإعراض عنه يقتضي بالأولى اجتناب قول اللغو ويقتضي تجنب مجالس أهله .

واعلم أن هذا أدب عظيم من آداب المعاملة مع بعض الناس وهم الطبقة غير المحترمة لأن أهل اللغو ليسوا بمرتبة التوقير ، فالإعراض عن لغوهم رَبْءٌ عن التسفل معهم .